عالـم القوة دون قفــازات مخملية!

أثارت تصريحات دونالد ترامب حول ضم الكندا والجرينلاند ( Groenlnd) وقناة الباناما ردود فعل مستهجنة عند جل نخب أوروبا الغربية

وكان جوهر الاستغراب في جرأة الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية تهديد دول حليفة كالكندا والدانمارك ورغبته في ضم أراض «أوروبية» والمقصود به هنا الجريلاند الواقع اليوم تحت حكم الدانمارك.

من وجهة نظر هذه النخب أوروبا، باعتبارها معقل موطن الديمقراطية الليبرالية، تجد نفسها مهددة بالقوة السافرة من روسيا التي اعتدت على دولة اوروبا أوكرانيا وايضا ربما من قبل دولة حليفة لو نفذ ترامب غدا تهديداته كذلك أوروبا مهددة بالقوة الناعمة التي تمثلها الصين اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا، هذا علاوة على «تمرد» بعض مستعمراتها القديمة و«نسيان» بعض الدول الأفريقية «شكر» فرنسا لإنقاذها من براثين الحركات الإرهابية.

اندهاش هذه «النخب» دليل إضافي على زيف الوعي عندها وعلى نسيانها المتعمد للقوة الفجة التي استعملتها دول أوروبية عديدة مع بقية دول العالم وذلك على امتداد اكثر من خمسة قرون لو اكتفينا فقط بمرحلة الهيمنة الاستعمارية التي انطلقت مع مملكتي أسبانيا والبرتغال في القرن الخامس عشر وانتهت بالسيطرة بقوة مدفعياتها على كل ارجاء المعمورة في القرن التاسع عشر.. هيمنة ادت إلى ابادة شعوب عدة واستباحة خيراتها واستعباد اهاليها وتحطيم ثقافاتها ودولها..

هذا دون الحديث عن استعمال القوة الفجة داخل أوروبا ذاتها والحربين العالمتين بين دولها ودون التذكير أيضا بصمت وتواطئ الغالبية الساحقة من الدول الاوروبية على العنف المفرط والابادة الممنهجة التي يستعملها كيان غرسته أوروبا داخل العالم العربي للتكفير عن ذنوبها على حساب شعب فلسطين في مظلمة تاريخية نظمتها وهيأت أسبابها كبريات الدول الغربية.

لو وسعنا دائرة النظر سوف نرى بوضوح بأن القوة الفجة والغاشمة لم تغب يوما واحدا عن مسرح العلاقات الدولية منذ تأسيس الإمبراطوريات الأولى في تاريخ البشرية بل وحتى قبل ذلك إذ كانت القوة مكونا جوهريا في العلاقة بين مختلف المجموعات البشرية.

لِمَ تستغرب اذن هذه «النخب» الاوروبية من تصريحات دونالد ترامب وقبلها من الحرب الروسية على أوكرانيا او من القوة الناعمة للصين؟ ببساطة لأن أوروبا وخاصة الدول الكبرى داخلها تتصور نفسها مركز العالم ولا ترى بذلك القوة الباطشة التي ما انفكت تمارسها على بقية دول العالم بل لا تنزعج منها الا متى مورست ضدها.. وهي لا تدافع عن الشرعية الدولية وحقوق الإنسان الا متى كانت في خدمة مصالحها الاستراتيجية، اما لو كانت ضدها فهي تغض البصر وتجد التبريرات المضحكة المبكية لشرعنة العنف الذي تمارسه او تمارسه الكيانات التي تحميها..

نحن لا نتحدث هنا الا عن النخب المهيمنة في أوروبا سياسيا واقتصاديا وثقافيا، فالتعميم المطلق خطير ومضلل إذ أن في أوروبا وفي أمريكا نخب ومثقفون ورأي عام يندد بهذه المعايير المزدوجة ويناضلون من أجل عالم اكثر عدلا ومن اجل حقوق كونية فعلية لا تلك التي جعلت على مقاس الإنسان الغربي..

الدرس الوحيد المستخلص من كل هذا ان القوة - أحببنا ذلك ام كرهنا - عنصر جوهري في العلاقات بين الدول مهما كان الطلاء الذي يخفيها احيانا والقوة هنا لا تعني فقط القوة العسكرية - على أهميتها- بل أيضا وأساسا القوة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وقوة المجتمع كذلك والتي يمكن تلخيصها في المواطنة والكرامة والحرية فكم من قوة عسكرية قامعة لشعبها وخانقة لطاقاته وابداعاته انهارت كأوراق الخريف..

ان دولة لا تسعى الى تملك كل عناصر القوة هذه من تقدم اقتصادي وعلمي وتكنولوجي ومن مناعة داخلية لا مستقبل لها في معترك الأمم حيث البقاء فيها دوما للاقوى

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115