في العائلة وفي القبيلة تفسر الرابطة الدموية هذا الشعور بالانتماء..اما في الدول الممتدة والتي تلاشت فيها الروابط القبلية ما الذي يجعلنا نحس بهذا الانتماء وما الذي يجعل من هذا الاحساس دافعا للفعل وأحيانا للتضحية من أجل المجموعة؟
لاشك أن وجود الدولة بما هي قدرة فائقة على الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي يبقى عنصرا أساسيا في هذا الشعور ..ولكن لو كان الأفراد سلبيين وغير معنيين إراديا بهذا الانتماء فشعورهم سيضعف مع ضعف الدولة وقد يضمحلّ تماما مع اضمحلالها ..
الانتماء الإرادي للمجموعة هو الأساس النفسي لما نسميه بالمواطنة ،اي هذه الارادة الفردية والجماعية للتشارك في هوية موحدة والإرادة هنا ليست فعلا عقليا محضا بل رغبة تدفع الذات نحو الفعل.
المواطنة هي التي تجعل من مجموعة بشرية ما تدافع عن أوطانها حتى لو وهنت الدولة وضعفت وتدفع عنه الغزاة وتسهم في خلق الثروة والرفاه العام ..
لكن لا وجود لمواطنة في دولة الرعايا او في النظم الكليانية التي تمحق الافراد باسم مبدإ يتعالى على وجودهم المادي والمعنوي ..
المواطنة تفترض حتما وجود فرد ذي إرادة حرة .. فرد مندمج في المجموعة لكنه متمايز عنها كذلك برأيه وضميره وجسده ..
فرد يحترم رأيه وتصان كرامته ويُجرّم الاعتداء على ذاته ..فرد يوافق ويعارض وله رأي في إدارة شأن المجتمع والدولة وهو يتفق في ذلك اجمالا مع بعض مواطنيه ويختلف مع البعض الاخر دون ان يعني هذا امتيازا له او لغيره ..
فالوطن لا يبنى إلا بمواطنين أحرارا ووحدة الوطن الضرورية انما هي في النهاية حسن الادارة السلمية للاختلاف باحتضانه وعدم تجريمه وتوفير الأطر المؤسساتية لرعايته وترشيده من جمعيات وأحزاب ومنظمات .. ونحن لا نتحدث هنا عن الأطر ذات الطابع السياسي أو شبه السياسي فللمدرسة الدور الأهم في السماح للأطفال بنات وذكورا في أن يصبحوا تدريجيا مواطنات ومواطنين أحرار الفكر والروح والجسد لا يخافون نقد الآخر ولا يرهبون نقده لهم ..
وللجمعية الرياضية، مثلا ، دور هام في تأطير الخلاف واحتضان تعددية الأراء والتدرب على النقد وامتلاك أدواته ..
نحن لا نتحدث عن جمهورية افلاطون، بل عمّا يمارس في دول عديدة وعندنا أيضا حتى وإن كان ذلك بمقادير محتشمة تتراجع دوائرها يوما بعد آخر ..
من أراد وطنا قويا ذا شأن عليه أن يرعى التعددية لأنه بدونها لا وجود لمواطن حرّ ولا لوطن منيع