تواصل الركود الذي يشهده القطاع في ظل تواصل الضغوط التضخمية في القطاع العقاري والتي اذا استمرت ستجعل البلاد تخوض غمار «الفقاعة العقارية».
ما كشفت عنه بيانات الربع الاول من 2024 الصادر عن معهد الاحصاء تجعلنا امام مشهد عام يتشكل من جزئيات هامة من ابرزها ان المنحى التصاعدي لسعر العقارات بكشل عام (ارض سكنية، منزل، شقة) متواصل وقد سجلنا في الثلاثي الاول من السنة الجارية ارتفاعا بـ3,5 ٪ نجم بالاساس عن ارتفاع اسعار العقارات في كافة مناطق البلاد باستثناء تونس الكبرى.
هذا العنصر ينضاف الى تراجع حجم المعاملات، اذ شهد حجم التداول في سوق العقارات تراجعا حادا لم يستن منه اي فرع، اراض ومنازل وشقق، ليكون اكبر معدل تراجع مسجل في حجم تداول الشقق الجديدة او القديمة، بنسبة تقدر بـ23،3 ٪، وهي نسبة اذا وقع النظر الى جانب باقي النسب تبين تراجع حجم التداول في سوق العقارات مما يبرز بشكل لافت التراجع الحاد في الطلب على العقارات، مما ادى الى الركود في القطاع.
هذا الركود اذا اجتمع مع الضغوط التضخمية التي يكشفها المنحى التصاعدي للاسعار، سواء أتعلق الامر بالاداء خلال الثلاثيات او بشكل سنوي، يجعلنا امام مشهد اقل وصف له ما جاء في بيانات معهد الاحصاء عن نسب النمو لسنة 2023 او للثلاثي الاول من سنة 2024، ويبين ان مجال البناء والتشيد كفرع من قطاع العقارات شهد تواصل النمو السالب في هذا الثلاثي بنسبة -6.8 ٪.
هذه المؤشرات العامة اذا قارنا بينها سنتحصل على تقييم لوضع قطاع العقارات الذي يعتبر من القطاعات الثقيلة والمؤثرة في الاقتصاد الكلي لتونس او غيرها من الدول. هذا القطاع يعاني اليوم من التقاء بين ضعف الطلب وارتفاع الضغط التضخمي، مما ادى الى الارتفاع في اسعار الوحدات السكنية بـ15 ٪ خلال سنة واحدة وهو ما قد يصبح نمطا يقود في النهاية الى امرين.
الاول تواصل هذه الاوضاع وتفاقمها لتشكل في نهاية المطاف «فقاعة عقارية». اذا استمر ارتفاع الاسعار مع انخفاض الطلب مع الضغوط التضخمية الكبرى في البلاد اضافة الى النمو الاقتصادي الضعيف طويلا سيؤدي الى تراكم العقارات غير المباعة، وهذه العقارات ستشكل «فقاعة» يمكن ان تنفجر في اية لحظة في ظل عدم وضوح الآفاق الاقتصادية.
وقد تحصل موجة بيع باسعار متدنية في المستقبل لتجنب تراكم الخسائر او الاعباء الماليية للباعثين او تخلص بعض من التونسيين من عقاراتهم بهدف تجنب انهيار قيمتها، مما قد يحدث موجة بيع باسعار جديدة، بما يؤدي الى انفجار فقاعة العقارات، اذ ستفقد هذه العقارات جزءا من قيمة الاستثمار، مما قد يؤدي بدوره الى تداعيات تصيب القطاع البنكي.
واذا استمرت الازمة الراهنة او انفجرت فقاعة العقارات، ستطال القطاع البنكي تداعيات ذلك ان انخفاض الطلب يعني انخفاض رقم المعاملات البنكية في علاقة بالقطاع، سواء أتعلق الامر بتمويل عمليات الشراء او الاستثمار، وهذا ما لا يمكن للبنوك التونسية اليوم استيعابه في ظل لجوء الحكومة اليها لتعبئة الموارد المالية، ولن تكون قادرة على تحمله اذا تخلت الحكومة عن هذه السياسة، كما ان انهيار اسعار العقارات وتراجع قيمتها سيجعل اصول الاعتمادت المالية المخصصة لهذا القطاع مهدّدة.
للاسف هذا ليس كل شيء، ذلك ان لتباطئ النمو او الركود كما هو الحال اليوم في قطاع العقارات تداعيات لن تقتصر على الفضاء المالي او على مؤشرات الاقتصاد الكلية او التفصيلية، بل ستطال المعاش اليومي للتونسي، ذلك ان استمرار الركود سيؤدي في النهاية الى تراجع حجم النشاط في السوق، مما يعنى ارتفاع البطالة، باعتبار ان القطاع بروافده يشغل اكثر من 500 الف تونسي، جزء واسع منهم مهدد اليوم بالبطالة.
العاملون في هذا القطاع بشكل مباشر هم المهددون، فالقطاعات الصناعية او الخدماتية المرتبطة بقطاع الانشاء والتعمير ستشهد هي الاخرى تداعيات هذا الركود بتباطئ النمو والذي قد يصبح لاحقا سلسلة تقود الى الركود، وهكذا دواليك الى ان نشهد ركودا اقتصاديا يخشى ان يكون طويل الامد تكون له ارتدادات اجتماعية.
ما قدمه بيان معهد الاحصاء قد يكون لوهلة اولى ارقاما ومعطيات احصائية يمكن ان تمر دون اثارة اي انتباه، خاصة وان هذه المعطيات تكرر الكشف عنها ولم تؤد الى ازمة بعد، لكن في حقيقة الامر ارتفاع وتيرة الركود هو ما كشفته المعطيات التي بينت ان الطلب تراجع بشكل غير مسبوق، وهو ما يشير صراحة الى ان قطاع العقارات يمر بفترة حرجة تستدعى بشكل عاجل النظر لمعالجتها وهذا غير ممكن دون سياسات اقتصادية