بفوز المرشح قيس سعيد بولاية رئاسية ثانية بنسة 90.69 % من الاصوات المصرح بها وعددها 2,65 مليون صوت تشكيل المشهد السياسي التونسي على ضوء معطيات جديدة سواء أتعلق الامر بمشهد الحكم او المعارضة التي شكلت هذه الانتخابات انتكاسة كبرى لها ووجهت لها رسائل عدة ستحدد كيفية تفكيك مضمونها من قبل المعارضة وكيفية التعامل مع الواقع السياسي الجديد.
في المشهد الجديد للساحة السياسية حكما ومعارضة، باتت نتائج الانتخابات العنصر الاكثر تاثيرا في تحديد التوزانات والادوار، وهذا رغم ان هذه الانتخابات شهدت عدم مشاركة 72 % من الجسم الانتخابي واساسا غياب الشباب بين 18 و35 سنة عن العملية الانتخابية، اذ ان اكثر من 94 % من هذه الفئة العمرية لم تشارك في العملية الانتخابية.
هذه العناصر مهمة في عملية رسم الصورة الجديدة للحياة السياسية في البلاد، اذ بدونها قد نكون امام انعكاس مشوه للواقع السياسي في البلاد ينطلق من ان المعارضة تكبدت خسارة كبرى وباتت تواجه ازمة وجودية، في ظل تفسيرات تذهب الى تسويق انتصار الرئيس بنسبة 90 % على انه دليل على ان الشعب التونسي لا رغب في المعارضة في المطلق.
هذا الراي يجانب الصواب، اذ ان ثلاثة ارباع الجسم الانتخابي لم يقل كلمته، وفي هذا هوامش يمكنها تغيير المشهد بتوفر شروط موضوعية، هذه الشروط كشفتها العملية الانتاخابية برمتها، والتي بينت ان العرض في المشهد السياسي اليوم مختل، اذ يجد ربع التونسيين من يمثلونهم في المشهد السياسي ولكن الثلاثة ارباع الباقية يبدو ان جزءا واسعا منها لم يجد من يمثله او بالاحرى لم تجد من يحقق طلبها السياسي.
هنا نحن ازاء ما يمكن وصفه مجازا بالسوق لتقريب الصورة، هذا سوق الخدمات والبضائع المعروضة فيها هي العروض السياسية، وهو ما يسمح بان نقول ان ثلاثة ارباع هذا السوق لاتزال غير مشبعة بعرض سياسي، وهذا لا يعنى ان هذه السوق ثمرة جاهزة للقطف من قبل المعارضة.
العرض السياسي الذي ينتظره التونسيون لم تتشكل ملامحه بعد في ظل غياب حاجة بارزة يعبر عنها الشارع التونسي لعرض سياسي محدد، اي ان هذا الجزء من الشارع التونسي لم ينجز حراكا داخليا حتى يفرز عرضا سياسيا يلبي له طلبا محددا، كما كان عليه الامر بعد انتخابات 2011 التي افرزت فوز حركة النهضة وخلقت حاجة لعرض سياسي يضمن التوازن في المشهد التونسي.
هنا قد لا يكون الشارع التونسي في مزاج سياسي يقوده للتعبير عن حاجته الى توازن بين الحكم والمعارضة، وهذا الامر لا يعرف ما اذا كان سيستمر الى اجل غير مسمى ام انه يكون ظرفيا وستبرز الحاجة الى وجود توزان في المشهد السياسي التونسي قريبا.
في الحالتين هذا يوفر هامش من الوقت للمعارضة لقراءة المشهد الانتخابي والسياسي واعداد نفسها لما قد تحمله الايام القادمة سواء أحصلت متغيرات أم استقر الوضع على ما هو عليه، اعداد يفرض عليها ان تتهيأ لفرضيتين، إما ان يولد حراك مجتمعي عفوي يفضى الى حاجة سياسية او ان تقود المعارضة هذا الحراك وتنشئه، وفي الحالتين عليها ان تكون قادرة على تقديم نفسها كخيار في المشهد السياسي يضمن لها توازنا مع الحكم /السلطة، وهذا لن يستقيم اذا استمر التعامل مع المشهد السياسي بذات الادوات وبنفس العقل السياسي الذي شكلته احداث 25 جويلية، فتلك اللحظة السياسية تم تجاوزها اليوم بلحظة 6 اكتوبر التي تفرض على الجميع حكما ومعارضة قراءة موضوعية