تنقيح القانون الانتخابي والمطبّات الجديدة

ينظر مجلس نواب الشعب يوم الجمعة في مقترح قانون اساسي لتنقيح القانون الانتخابي تقدم به 34 نائبا،

وقد سُرِّعت فيه الآجال بصفة قياسية اذ تم توجيه المقترح الى رئيس مجلس النواب يوم 20 سبتمبر، فاجتمع مكتب المجلس للنظر فيه يوم 21 سبتمبر وبدأت لجنة التشريع العام في مناقشته يوم 24 سبتمبر وأخيرا سنجده يوم 27 سبتمبر في الجلسة العامة اي اسبوعا واحدا فقط بعد تقديم مقترح القانون، وهذه السرعة لم تتمتع بها اية مبادرة تشريعية قبل هذا ولا نذكر ان حظي بها مشروع قانون (اي تقدمت به السلطة التنفيذية) كذلك منذ 2011، ربّما باستثناءات قليلة للغاية وفي مسائل بسيطة وتقنية.

يهدف هذا المقترح الى سحب صلاحيات المحكمة الادارية للبت في النزاعات الانتخابية وصلاحيات محكمة المحاسبات في اصدار احكام تتعلق بمراقبة الجوانب المالية للحملة الانتخابية وجعل القضاء العدلي وتحديدا محكمة الاستئناف بتونس العاصمة هي مرجع النظر الوحيد في كل ما يتعلق بالحملة الانتخابية من طعون في الترشحات الى اصدار الاحكام في الجرائم الانتخابية وذلك بغاية «ضمان وحدة الاطار القضائي الذي يتعهد بالنظر والبت في النزاعات الانتخابية» وفق ما جاء في وثيقة شرح الاسباب.

لقد سال حبر كثير خلال هذه الأيام الاخيرة خارج مجلس النواب وحتى داخله بين شقين يرى الاول ان مقترح القانون هذا سيضمن «سلامة المناخ الانتخابي «ويحميه» من اي منزلقات او مخاطر « كما ورد ايضا في وثيقة شرح الاسباب وبين وجهة النظر الغالبة في الفضاء الديمقراطي والتي ترى أن خطوة كهذه لو كتب لها ان ترى النور سوف تكون الضربة القاصمة لمصداقية المسار برمته خاصة وأن هذا المقترح لا يريد التشريع للانتخابات القادمة بل وأيضا – وخاصة – للانتخابات الرئاسية الجارية والتي حصلت فيها طعون وأحكام من المحكمة الادارية قبلت بطورها الاول هيئة الانتخابات ثم اعتبرت احكام الطور الثاني، وهو الطور البات والنهائي، غير قابلة للتطبيق.

إن اصحاب المقترح يقولون بوضوح لا يكاد يخفى أن المحكمة الادارية قد خرقت واجب الحياد وكأنها اصبحت طرفا سياسيا مناهضا بصفة غير مباشرة لأحد المترشحين اي لرئيس الدولة.

من غير المفيد تكرار أن الممارسات الديمقراطية الفضلى تمنع – اخلاقيا وسياسيا– تغير قواعد اللعبة خلال السنة الانتخابية فما بالك بتغييرها خلال الحملة الانتخابية، ثم إن كنا نلوم برلمان العشرية الاولى للثورة بوضع قوانين على المقاس (وهذا الحكم خاطئ لو كان على اطلاقه) افلا يدخل هذا المقترح وبكل قوة ضمن هذه الخانة ؟!

لسنا من الذين يقولون بأن احكام القضاء فوق كل نقد مادامت باتة ولكن هنالك بون شاسع بين ابداء الرأي النقدي في حكم قضائي بات سواء أكان ذلك من الناحية القانونية او حتى السياسية وبين عدم الاعتراف به ومنع تطبيقه، ثم مادام لا سلطان على القاضي- ايا كان القضاء الذي ينتمي اليه – سوى ضميره فمن يضمن اليوم او غدا ألا تصدر محكمة الاستئناف بتونس بعد عقدين من الزمن احكاما في المادة الانتخابية لا تقبل بها هيئة الانتخابات ؟

فهل سنسحب هذا الاختصاص منها ونعيده الى المحكمة الادارية ؟ ام هل سنقول ان هيئة الانتخابات ملزمة بتطبيق قرارات محكمة الاستئناف ؟ ولكن اليست الهيئة ملزمة بتطبيق قرارات المحكمة الادارية اليوم ؟ والحق الذي اعطته لنفسها للنظر في حيثيات الحكم وإجراءات تسلمه الا ينطبق هذا غدا على علاقة هيئة الانتخابات - بعد ثلاثين سنة من الآن – مع الجهة القضائية المختصة ؟

ويبقى السؤال السياسي الاهم : ايهما افضل للبلاد وللفائز في السباق الانتخابي، ابقاء قواعد اللعبة على حالها على ما في هذه القواعد من مسائل قد تغضب بعض الاطراف، ام تغيير هذه القواعد بما يوفر نافذة نقد واسعة وجديدة للمعارضين بأن بعض الاطراف في السلطة (والبرلمان جزء من السلطة بمفهومها العام) لا تقبل بمنافسة فيها بعض المخاطر على محدوديتها ؟

غدا البرلمان كمؤسسة دستورية سيكون امام اختيار صعب ..اختيار قد يحدد البوصلة القادمة للبلاد .

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115