خاصة وأنها ايدت في احدى دوائرها قرار هيئة الانتخابات برفض ترشح عبد اللطيف المكي زعيم «حزب عمل وانجاز» والقيادي السابق البارز في حركة النهضة ..
لقد رفضت هيئة الانتخابات ترشح المكي لاعتبارين اثنين : غياب البطاقة عدد 3 وعدم بلوغ العدد الكافي من التزكيات الصحيحة وفق ما يضبطه القانون الانتخابي (10.000 تزكية شعبية منها على الاقل 500 تزكية في 10 دوائر انتخابية مختلفة).
ولقد ابطلت الدائرة المتعهدة بهذا الملف في المحكمة الادارية اشتراط البطاقة عدد 3 واعتبرته غير دستوري لأنه يطالب المترشح بشيء خارج عن ارادته والحال انه بإمكان هيئة الانتخابات التثبت لدى السلط المعنية من نقاوة السوابق العدلية وهذا هو فقه المحكمة الادارية منذ سنة 2014 لكن هذه الدائرة ايدت رفض ترشح المكي بسبب عدم اكتمال التزكيات الصحيحة .
قبل انعقاد الجلسة العامة للمحكمة الادارية للنظر في الطعن الذي قدمه فريق دفاع المترشح تحول وفد من القضاة الى مقر الهيئة للتثبت من التزكيات المرفوضة فوجد ان الرفض حصل في احيان عدة نتيجة خطإ المزكي في نقل معلومة تخصه (كتاريخ الميلاد مثلا) وباعتبار ان هيئة الانتخابات ليست ضابطا للحالة المدنية قررت المحكمة الادارية ان هذه الاخطاء البسيطة لا تمس جوهريا من سلامة التزكيات فتم اعتماد دائرتين اضافيتين وقضت المحكمة الادارية في جلستها العامة بسلامة ملف عبد اللطيف المكي ونقضت قرار هيئة الانتخابات وهكذا اصبح عبد اللطيف المكي المترشح الرسمي الرابع لسباق 6 اكتوبر في انتظار مآل بقية الطعون يوم غد.
وضعية المكي معقدة الى حد بعيد اذ صدر في حقه حكم ابتدائي بـ8 اشهر سجنا مع حرمانه من الترشح مدى الحياة كما اصدر قاضي التحقيق قرارا يمنعه من التحرك خارج منطقة اقامته كذلك من الظهور في الفضاءات العامة وفي وسائل الاعلام.
وأيا كان مآل هذه القضية العدلية فأنها لا يمكن مبدئيا ان تلغي ترشح المكي لكنها قد تحرمه من الحظوظ المتساوية في الحملة وهذا محمول قانونا على هيئة الانتخابات ان توفره لكافة المترشحين الرسميين .
ثلاث ملاحظات اساسية نسوقها تعليقا على هذا «الزلزال» الصغير
- الملاحظة الاولى : تبقى المحكمة الادارية ،مهما يقال عن بعض احكامها،من اهم منارات تونس والدولة الوطنية وهي رغم كل ضغوطات السلط السياسية المتعاقبة حافظت على قدر كبير من الاستقلالية وهي تلعب دورها كضامنة للحقوق والحريات
- الملاحظة الثانية : عندما ندقق في الطريقة التي تعاملت بها هيئة الانتخابات مع المترشحين للسباق الرئاسي نبقى مندهشين للغاية، فهي بداية اصرت اصرارا على فرض تقديم البطاقة عدد 3 رغم وجود فقه قضاء اداري يعود الى سنة 2014 مما شتت تركيز وجهود كل المترشحين المعارضين للسلطة ثم الغت آلاف التزكيات – فيما يبدو – لوجود بعض اخطاء في النقل (تكتب التزكية بلسان القلم) اي انها لم تجتهد لتيسير عملية الترشح، وقد تعللت بالشكلانية على حساب الجوهر وهو تمكين الناخبات والناخبين من لوحة اختيار واسعة تشمل اهم التيارات واهم الشخصيات السياسية، ويبدو ان الهيئة لم تدرك الى حد اليوم ان تغليب الشكلانية الاجرائية على جوهر العملية الانتخابية يساهم في افراغ هذه الممارسة الديمقراطية الاساسية من كل مضمون .
- الملاحظة الثالثة: تتعلق بالقضاء العدلي اذ انه دخل على زمن المنافسة الانتخابية بكل قوة وبأحكام بدت غريبة الى حد كبير (المنع من الترشح مدى الحياة!) ولكنه اليوم امام اختيار واختبار اساسي بداية في ملف عبد اللطيف المكي والذي قد تلتحق به ملفات اخرى لو قضت الجلسة العامة للمحكمة الادارية غدا الخميس بإرجاع مترشحين آخرين الى السباق .. نقصد انه بالإمكان ان نجد بين المترشحين النهائيين الى سباق 6 اكتوبر من هم في السجن او خارج البلاد او من لديهم تضييقات على التنقل وهذا سيهضم حقهم بصفة كبيرة كما سيحرم التونسيات والتونسيين من الاختيار بعد الترجيح والإطلاع الجيد على برامج المترشحين وشخصياتهم .
لا نريد للقضاء في بلادنا وللقضاء العدلي في هذه الوضعية ان يكون معيقا باي شكل من الاشكال للعملية الديمقراطية ونرى انه عليه مباشرة بعد الاعلان عن القائمة النهائية للمترشحين ان يعلق مؤقتا كل التتبعات والإجراءات الحادة من الحرية لهؤلاء خلال كامل الحملة الانتخابية وبعد ذلك يأخذ القضاء مجراه .
رغم كل الصعوبات والعراقيل والتضييقات نريد ان نرعى جميعا الامل في النفوس.
التاريخ لن يحفظ في ذاكرته سوى رعاة الامل.