عالم خطر يزداد خطرا : ونحن في كل هذا ؟!

تعرضنا في الحلقات الأربع الأولى إلى جملة من المخاطر التي تهدد العالم

ركزنا فيها بالأساس على التهديدات الجيوساسية والحضارية والبيئية، وبالطبع المخاطر لا تقتصر على هذه الأبعاد فقط - على أهميتها- ولكنها في راينا تعبر عن جوهر المخاطر المعقدة والمركبة التي تتهدد العالم باعتباره عالما، اي باعتباره وحدة ديناميكية واننا اليوم لسنا ازاء مخاطر وطنية او إقليمية - حتى وان بدت كذلك في الظاهر - بل مخاطر تؤثر على مصير الإنسانية قاطبة.

وكما اوضحنا ذلك منذ البداية الخطر هو دوما في علاقة جدلية مع الفرصة ولكن الوعي العقلاني والواسع بالخطر هو المقدم دوما وهو الذي سيسمح بالاستفادة من الفرص وحسن اقتناصها.

والآن أين نحن، في تونس والمغرب العربي والعالم العربي، من كل هذا؟ هل لدينا هذا الوعي العقلاني والايجابي بكل هذا ؟ وهل فكرنا في استراتيجيات عملية للتوقي؟ وهل لدينا تصورات واضحة للفرص التي يتيحها لنا العالم اليوم وغدا؟ عولمة المخاطر والفرص هي حاضرة اليوم وليست مسألة متروكة للأجيال القادمة.فنحن وبقية أوطان العالم العربي نعيش في منطقة الشح المائي، بل نحن المنطقة الأولى عالميا على مستوى هذا الشح، وهذه الوضعية ستزداد حدة في افق 2050 وفق كل التقديرات العالمية.

كما أن ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات بفعل الاحتباس الحراري يهدد مناطق كثيرة على الشريط الساحلي التونسي وخاصة جزيرة قرقنة التي تعد من أكثر المناطق انخفاضا في البلاد..

ويبدو ان منطقة المغرب العربي ستتعرض بصفة متكاثرة إلى تقلبات مناخية عنيفة: سنوات من الجفاف تعقبها امطار طوفانية بدورية متسارعة مما يفرض على كل هذه البلدان وخاصة تونس إعادة التفكير الهيكلي في فلاحتنا التي تستاثر بحوالي 80 % من الموارد المائية ومكافحة اكثر فاعلية للتصحر مع تطوير معالجة المياه المستعملة وتحويل أقصى ما يمكن منها لري الأشجار.

كل هذا يتعلق بالانعكاسات الحالية والمنتظرة للتغيرات المناخية وينبغي ان نضيف إليها كذلك تفاقم حركات الهجرة النظامية وغير النظامية من افريقيا إلى أوروبا بما يجعل من بلدان شمال افريقيا (من مصر إلى المغرب الأقصى) في وضع مزدوج على امتداد العقود القادمة: هجرة بناتها وابنائها إلى القارة العجوز وتحولها - موضوعيا- إلى ارض عبور وإقامة في نفس الوقت خاصة إذا ما حصلت نهضة اقتصادية نسبية في بلدان الشريط الشمالي للقارة السمراء..

َوالخطير هنا هو تصاعد الحركات الشوفينية شمالا وجنوبا لأنها منذرة بالعنف وبالعنصرية وبالكراهية وهذه كلها مخاطر تهدد استقرار بلدان شمال افريقيا وسلمها الأهلية.

يضاف إلى كل هذا احتدام التنافس الدولي بين عملاقين كبيرين: الولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة والصين الشعبية وعدد من دول الجنوب من جهة أخرى وهذا قد يسفر عنه تحول ولو جزئي في طرق التجارة والتزود زمن السلم الظاهرة فما بالك بزمن الحروب. وقد راينا صورة أولى منه منذ ما يزيد عن السنتين مع الحرب الروسية على أوكرانيا.

تعيش بلادنا على تخوم هذه التحولات العالمية الكبرى، ولكنها تخوم غير مريحة بالمرة لأنها ستفرض علينا حهودا ضخمة للغاية لو اردنا فعلا التوقي من هذه المخاطر وغيرها وان نقتنص بعض الفرص الهامة التي تتيحها، جدليا،نفس هذه المخاطر.

لا شي يفيد ان منطقتنا الاستراتيجية (المغرب العربي) قد بلغت الحد الأدنى من الوعي بهذه المخاطر والفرص ودليلنا على ذلك تواصل انقسام هذا الإقليم عموديا وافقيا، اي داخل كل دولة على حدة، (المثال الليبي هو الأقصى في هذا المجال) وفي العلاقات بين هذه الدول الخمس.

فنحن نكون جهة او اقليميا عناصر وحدته اكثر من ان تحصر ولكن وعيه بذاته كوحدة ارادية ضعيف إلى أقصى الدرجات ووعيه بالمخاطر المحدقة يفتقرر الى الحد الأدنى من العقلانية ومن الفاعلية وهو شبيه بوعي بعض القطعان من الحيوانات العاشبة التي تلوذ بالفرار في شتى الاتجاهات بمجرد هجوم حيوان مفترس واحد عليها والحال اننا نحتاج إلى وعي صنف اخر من القطعان التي تتوحد للدفاع عن كل اعضائها وتصد الحيوان المفترس مهما كانت شراسته.

لا حل لنا في هذا العالم الذي يزداد خطورة دون اندماج كلي وشامل عموديا (على مستوى كل بلد) وافقيا (على مستوى كامل الإقليم) واليوم الذي نضيعه في صراعات داخلية او بينية عقيمة هو يوم سندفع جميعا ثمنه باهضا غدا.

لا يعني هذا اننا سنصبح كلنا على راي واحد فهذا مستحيل بداية ومضر نهاية، بل هي القدرة على إدارة الخلاف و التنوع دون اللجوء إلى القبضة الحديدية، والادماج هنا لا يقتصر على الجانب السياسي (الديمقراطية التعددية التثميلية والتي لا بديل عنها سوى التسلطية الاستبدادية) بل وايضا لكل فئات وجهات مجتمعاتنا بدءا بالادماج الكلي والنهائي للنساء في مختلف حلقات الإنتاج والقرار والفئات الهشة التي ينبغي ادماجها في الدورة الاقتصادية بالقضاء على الأمية وعلى الفقر المدقع بداية وعلى الفقر بعده في ابعاده المتعددة فدون هذا لا إمكانية لادماج الفئات الهشة وكذلك وخاصة تحويل الجهات الاقل نمو (الجهات الداخلية في تونس)إلى مناطق التميز الدراسي والصناعي والفلاحي.

لو تجاوزت دولنا الخمس (ليبيا وتونس والحزائر والمغرب وموريطانيا) خلافات حكامها المدمرة ولو تحققت الوحدة الطوعية والديمقراطية بانخراط النخب والشباب والجهات لمكننا ذلك من التوقي الأفضل من كل هذه المخاطر ولتكامل الجهد من أجل تحقيق الانتقال الطاقي عبر الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر ولتفاوضنا من موقع الندية مع الشريك الأوروبي في الطاقة و الفلاحة والصناعة وغيرها ولعملنا على تحقيق مستويات من الاندماج مع بقية دول قارتنا السمراء ولوفرنا شروط النهضة العلمية و التكنولوجية والاقتصادية لتحقيق مستويات جيدة من الرفاه الجماعي.

في انتظار كل ذلك نأمل ان يعمل كل بلد على إيجاد شروط التشاركية الديمقراطية الفضلى وان يقطع نهائيا مع الحنين إلى الاستبداد وان يجد السبل للادماج الجندري والعمري والجهوي.، فتلك هي شروط السيادة الحقيقية وبها، وبها فقط، يمكن أن نواجه المخاطر الحالية والقادمة لهذا العالم بشروط نجاح جدية.

(انتهى)

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115