أصبح يوجد على وجه البسيطة كائن حي قادر على تغيير توازنات المحيط الطبيعي اي على كل منظومات الحياة.
لقد ظلت هذه القدرة محدودة للغاية بل وغير ذات أثر إلى حدود اكتشاف الفلاحة (اي تدجين النبات) منذ حوالي 10.000 سنة وقبل ذلك ببعض الاف السنين تدجين بعض الحيوانات اما لتوفير مخزون غذائي (الخرفان والأبقار..) أو للقيام بمهام الصيد او الحراسة (تم تدجين بعض الذئاب منذ قرابة 20.000 سنة وهذا ما أنتج مختلف فصائل الكلاب) وبعد ذلك ببعض الاف السنين ثم تدجين حيوانات أخرى، كالجمال والخيول، لاستعمالها لغايات النقل والحرب.
مع بداية اكتشاف الفلاحة، اي منذ 10.000 سنة، كان مجموع البشر في حدود خمسة مليون نسمة ليتجاوز المليار مع بدايات المرحلة الصناعية الأولى (نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر).. إلى حدود هذه الفترة ورغم تغيير البشر لبعض معطيات الطبيعة إلا أن منظومات الحياة كانت أقوى.. هذه الحياة التي ظهرت منذ ما يقارب 3.5 او 3.8 مليار سنة مع الخلية الأولى القادرة على التكاثر بفضل الانقسام الخلوي.
دخول اجزاء متعاظمة من البشر في العصر الصناعي منذ قرنين ونصف غير كل هذه المعطيات وأصبح بإمكان البشر تحطيم اجزاء من منظومات الحياة بصفة كبيرة واحيان دائمة.
يقدر العلماء ان انواع الكائنات الحية التي انقرضت منذ بداية ظهور الحياة إلى حدود سنة 1500 بعد الميلاد هو 0.4 % من مجموع انواع الكائنات الحية اما اليـــوم فهو ما بين 7.5 % و13 % اي بالمعدل عشر الأنواع قد اندثرت بمفعول تغيير الإنسان لمنظوماتها البيئية إما بالصيد او بحرق الغابات او بالتلوث أرضا وجوا وبحرا.
الوعي بقدرة الإنسان على التاثير على توازنات الحياة قديم إلى حد ما واول من نظر له العالم الفرنسي بيفون Buffon سنة 1770 في كتابه «مراحل الطبيعة» حيث اعتبر أن البشرية دخلت في مرحلة سابعة تاريخية أصبح فيها الإنسان هو القوة الفاعلة الأساسية في الطبيعية.
ولكن الوعي بخطر فعل الإنسان على توازنات الطبيعة والحياة انتظر حوالي القرنين مع القمة العالمية الأولى للارض التي نظمتها الأمم المتحدة في سويسرا سنة 1972 وثم تبع ذلك جدل على المستوى العلمي : هل ما نشاهده من ارتفاع لدرجات الحرارة (منذ سنة 1900 ارتفعت درجة الحرارة ب1. 1 درجة منها 1.59 على اليابسة و0.88 في البحار والمحيطات) هو ناجم على النشاط الإنساني من طاقة وصناعة ونقل وفلاحة ام انه خاضع لتحولات طبيعية من مراحل جليدية واخرى اكثر دفئا؟
لقد أخّر هذا النقاش شيئا ما حصول الوعي الإنساني الجماعي بأن النشاط البشري الحالي هو السبب والحل يكمن في معالجة مساوئه بصفة عاجلة وحازمة.
لقد طغى هاجس ثقب الأوزون في العقود الأخيرة للقرن العشرين وما يمثله هذا الثقب من خطر وصول نسب ضخمة من الأشعة ما فوق البنفسجية وكان المتسبب في هذا الثقب بعض الغازات الكيمائية وهنا حصل تعاون دولي بين اهم الدول الباثة لهذه الغازات أدى إلى تحسن واضح والمتوقع ان تعود طبقة الأوزون في حدود سنة 2060 إلى وضعها لسنة 1980.
ولكن لم تتمكن البشرية إلى حد اليوم من إيقاف الاحتباس الحراري الناجم عن الاستعمالات المكثفة للطاقات الاحفورية في الصناعة والنقل والتدفئة كما أن النشاط الفلاحي، وخاصة تربية الأبقار، يساهم بحوالي 20 % في هذه الغازات الدفيئة المتسببة في الاحتباس الحراري.
يمكننا ان نقول ان الاحتباس الحراري هو أقوى محرك للوعي بوحدة العالم فنحن نعلم اليوم علم اليقين ان ما يقع في غابة الامازون في البرازيل سيؤثر بصفة واضحة على سكان افريقيا وآسيا وان استعمال الطاقة الاحفورية في الصين وامريكا يمثل خطرا منظورا على كل سكان الأرض وان تربية الأبقار بشكل شبه صناعي في الارجنتين يساهم بقسط في ارتفاع درجات حرارة مياه البحر بما يهدد منظومات الحياة البحرية ومئات الملايين من سكان المناطق المنخفضة في العالم.
صحيح ان هنالك صراعا كبيرا بين الدول الصناعية الغربية والدول الصناعية الصاعدة على غرار الصين خاصة والهند بدرجة اقل وبقية دول الجنوب حول المسؤوليات التاريخية في هذا الاحتباس الحراري وانه على الدول الغربية التي فعلت ما أرادت على امتداد قرنين من الزمن ان تتحمل العبء الأكبر ماليا لإيجاد الحلول الفضلى للحد من الاحتباس دون ارتهان نمو بقية دول العالم.. ولكن كل هذه الانتقادات الموجهة للدول الغربية وايضا للدول الصناعية الكبرى خارج الفضاء الغربي هي مشروعة ولكنها لا يجب أن تخفي عنا حجم الكارثة التي تهدد السكان الحاليين للارض (اكثر من ثمانية مليار بشر) فضلا عن الجيل القادم والذي سيليه.
البشرية قد تتجنب الكارثة لو ارتفعت درجة الحرارة من الان الى سنة 2100 بدرجة ونصف فقط ولكن هذا يستوجب استثمارات ضخمة وفورية وفي كل اصقع العالم في الطاقات البديلة َفي نظم نقل بري نظيفة وفي ابتكار حلول علمية وتقنية تقلص من استعمال الطاقة الاحفورية في النقل البحري والجوي وفي استيعاب ثاني اكسيدون الكربون كذلك غاز الميتان (Methane) المتسبب في 30 % من انبعاثات الغازات الدفيئة
أما إذا لم يحصل هذا اليوم قبل الغد وارتفعت الحرارة بثلاث درجات او تزيد في أفق 2100 فإن العالم سيصبح خطرا جدا على حياة كل المجموعات البشرية من ارتفاع هام لمنسوب مياه البحر والجفاف والتقلبات المناخية القوية والمتواترة (جفاف وأمطار طوفانية واعصارات و حرائق غابات..) وهذا ينذر بحروب من صنف جديد بدأت معه منذ الان بواكيرها الأولى : حروب الماء والجوع وتفاقم حركات الهجرة الداخلية والخارجية و اختلال التوازن الهش لعدة دول بين المدن والهوامش والارياف بصفة عنيفة.
مخاطر الحروب المناخية ومخاطر الحياة في ظل هذه التغيرات ليست قراءة متشائمة للمستقبل، بل هو ما نحن بصدد مشاهدة فصله الاول.. أما الفصول التالية فستكتبها الإنسانية جمعاء.. التاريخ لم يكتب بعد ولكن مساره الحالي لا يبعث على الاطمئنان.
(يتبع) الحلقة الخامسة والأخيرة :
ونحن في كل هذا ؟!