عن ما وصفه باسباب الغاء عرض مسرحيته «اخر البحر» من الدورة الـ58 لمهرجان الحمامات الدولي وعن ما حف بعملية الالغاء من تفاصيل تكشف عن «صنصرة» وفرض رقابة على العمل الابداعي والفني تحت يافطة «اخلاقوية».
العرض المسرحي الذي وقعت برمجته منذ فترة واعلن عن ذلك كما تم الاتفاق بين ادارة المهرجان وفريق العمل الخاص بالمسرحية، الغي وفق مخرجه بعد ان حضر مدير المهرجان والمدير الفني لمشاهدة المسرحية اثناء عرضها في احدى المناسبات، ليقع اثرها التوجه الى الغاء العرض المبرمج ليوم 18 جويلية الجاري بتعلة الظرف المادي للمهرجان وهو العذر الذي قدم لتجنب القول الصريح والمباشر بأن نص المسرحية يتضمن ما اعتبره مدير المهرجان ومديره الفني «عبارات نابية مخلّة بالأخلاق العامّة».
عذر كشف عنه المخرج المسرحي الفاضل الجعايبي نقلا عن مدير المسرح الوطني الذي اعلم بسبب الغاء العرض وهو العبارات النابية بشكل غير رسمي، مقابل تسويق رسمي مغاير يستند الى انعدام القدرة المالية للمهرجان والى ان المهرجان برمج عرضا مسرحيا لتكريم الفنانة منى نور الدين ولا يمكن برمجة عرض ثان، وهي الاعذار اريد بها تتجنب الاعلان الصريح والمباشر عن السبب وهو الصنصرة والرقابة الاخلاقية على العمل الفني والابداعي.
معطيات كشفها الفاضل الجعايبي وكشف عن غيرها للاسف، وهي تعيد رسم صورة سلبية عن واقع البلاد، ذلك ان الغاء عمل مسرحي بحجة تضمنه لعبارات نابية والبحث عن مبررات للتعلل بالالغاء تكشف عن اننا ازاء رقابة يكون المحدد فيها مزاج فردي لبعض القائمين على عدة مجالات في البلاد، وقد سبق ان تكرر الامر بعد حادثة منع عرض كتب ومنشورات في معرض الكتاب في دورة 2023، بما يكشف عن اننا ازاء ترسيخ الرقابة واعادة دور الرقيب من جديد.
ان يقرر مدير المهرجان ومعه المدير الفني الغاء عرض لتضمنه عبارات لا يستسيغها او ان يقع اقرار منع عرض كتاب او عمل فني باجتهاد فردي يريد صاحبه ان يحقق اغراضا قد يعتقدها انها سليمة وبريئة، الا ان ذلك انحراف خطير ينذر بانتكاسة اشد للحياة الفنية والثقافية والفكرية في البلاد التي تعاني من مناخ عام متوتر استشرى فيه خطاب الكراهية والعنصرية.
ان العمل الفني او الاكاديمي او اي عمل ابداعي او تقني يندرج تحت يافطة حرية التعبير التي تنظمها نصوص قانونية تحرص على تجنب التحريض او نشر خطاب الكراهية لا على الاستجابة لاهواء او نوازع فردية، ان الانحراف واسقاط المعتقدات الفردية والنوازع الاخلاقوية على عمل فني ما وممارسة الرقابة باسم القانون او الدين او الاخلاق او النظام السياسي ليس الا عملية مصادرة لحرية الناس وتضييق عليها، وتصبح اشد عنفا وفضاضة اذا كانت هذه الرقابة الاخلاقوية على عمل فني .
اي عمل فني او منتج ابداعي لا يمكن باي حال من الاحوال ان يتم قبول تعاطي الجهات المشرفة على القطاع الثقافي معه بمنطق اخلاقي يبرر الرقابة والصنصرة والتضيق على العملية الابداعية ومحاصرتها بقواعد تتغير بتغير مزاج الفرد. ان حرية الابلاع لا يحدها الا خيال الفنان وحدود الضوابط القانونية التي تنظم العملية الابداعية بهدف حماية حقوق كافة الاطراف، واي ممارسة خارج هذا الاطار وخارج نسق حرية العمل الفني لا يمكن وسمه الا بالصنصرة التي تصبح الخطر الفعلي على المجتمع.
ممارسة الرقابة الاخلاقوية وتنزيل المزاج الفردي او القناعات الخاصة لهذا او ذاك كالية تحكيم وتقييم للعمل الفني هي انحراف اذا وقع التسامح معه والقبول به باي عذر، قد يجعلنا نستفيق على تمدد للرقابة الاخلاقوية على العمل الاكاديمي والتقني والعلمي وعلى كل اوجه الحياة الخاصة بنا كتونسيين وتونسيات