اليمين والشعبوية في طريق مفتوح للحكم في فرنسا وامريكا: هل استعدت تونس للسيناريوهات الممكنة؟

يبدو ان البحث عن مفردات تعبر عن الواقع في المشهد الدولي الراهن، دون الوقوع في التشاؤم او التفاؤل،

ستكون شائكة في ظل المتغيرات التي تشهدها المعادلة العامة. واذا اردنا وصفا موضوعيا لها قد يكون من الانسب القول ان العولمة والقيم الليبرالية تواجه تحديات في بلدان المنشأ و يتجلى ذلك في صعود اليمين المتطرف والشعبوية في الدول الكبرى في بوادر شبح ازمة اقتصادية تطل على عالم يعاني من توسع رقعة الحرب فيه يوما بعد يوم.

هذا الوصف الموضوعي للمشهد لا يسعى الى توجيه النظر الى المخاطر او الى الفرص، بل الى جرد للوضع الدولي والاقليمي والانعكاسات المحتملة على البلاد في ظل تواتر عدة تطورات سياسية واقتصادية وجيوستراتيجية واجتماعية تلتقي جلها عند نقاط ميزتها الاساسية انها «نقاط تازم».

اسابيع قليلة بعد فوز اليمين في الانتخابات الاوروبية شهدت فرنسا فوز الاحزاب اليمنية المتطرفة التي تتبنى خطابا معاديا للمهاجرين ولسياسات الاتحاد الاوروبي وتنادي بنزعة حمائية وسيادية. هذه ابرز عناصر خطاب حزب التجمع الوطني المنتمي لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان الذي تحصل مع حلفائه من احزاب اليمين وفقا للنتائج الرسمية على 33 % من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات وهو يتوجه للجولة الثانية بحظوظ واسعة لتحقيق اغلبية تمكنه من الحكم.

فوز التجمع الوطني في الانتخابات التشريعية الفرنسية يوصف اليوم بانه تاريخي وهذه العبارة باتت تتكرر في التقارير الاخبارية والمقالات التحليلة بكثافة لشرح كيفية انتقال حزب سياسي من خانة الحزب المنبوذ لدى الناخبين الى حزب قاب قوسين او ادنى من الامساك بمقاليد الحكم في بلد يحل في المرتبة السابعة كاقوى اقتصاديات العالم بناتج اجمالي محلي بلغ في 2023 2920 مليار دولار ما يعادل اكثر من 9000 مليار دينار تونسي.

تقلد اليمين للحكم في فرنسا وامكانية مشاهدة تقاسم للسلطة بين الرئيس وحكومة معارضة له فرضية لا تربك فقط الاقتصاد الذي يرزح تحت تداعيات ثقيلة منها ارتفاع الدين العام وتراجع النمو والاستثمار المتوقعين من قبل معاهد الدراسات الفرنسية، بل له كذلك انعكاسات على الوضعين الاقليمي والدولي كانت محدودة في السياق الطبعي أما في السياق الراهن فان تداعياتها ستتضاعف خاصة اذا فاز دونلد ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024.

هذا ما قد يفسر الموقف الفرنسي الرسمي من فوز اليمين المتطرف في الانتخابات ومسارعة الرئيس ورئيس الحكومة الى دعوة الناخبين الفرنسيين الى عدم التصويت لليمين في الدور الثاني لتجنيب البلاد وضعا معقدا وصعبا للبلاد وذلك «في مواجهة التجمع الوطني، واعتبرا أن الوقت حان لعقد تحالف واسع يكون بوضوح ديمقراطيا وجمهوريا في الدورة الثانية».

دورة ثانية قد تعيد تشكيل السياسات الفرنسية ولو جزئيا، ولكن هذا التشكل اذا تم في رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة الامريكية قد يحدث الكثير من الموجات الارتدادية.

ان تنامي صعود اليمين المتطرف في اوروبا اذا تزامن مع فوز ترامب بعهدة رئاسية، سينعكس ذلك على السياسات المتبعة من قبل هذه القوى لا فقط في علاقة بسياساتها الداخلية ومعاداة المهاجرين والاجراءات الحمائية، بل في ما كشفته خطة «مشروع 2025» التي سيعتمدها ترامب كخطة حكم اذا فاز.

هذه الخطة التي اعدتها مؤسسة «هيريتيج»، تقوم على وعد كبير هو «وعد بجعل أمريكا أمة محافظة» تعيش في ظل اعادة الحكم الذاتي للشعب وعلى مقولات كبرى ابرزها «الدفاع عن سيادة الامة وحدودها وخيراتها ضد التهديدات العالمية».

هذا التزامن في حكم اليمين والشعبوية للدول الكبرى اذا حصل قد يمكن محاصرته لكن تداعياته ستتفاقم، خاصة وان الاقتصاد العالمي اليوم يقف على باب ازمة اقتصادية كبرى، اتخذت اليوم عنوان ازمة حاويات النقل والتي انعكست سلبا على اسعار الشحن والتزويد وهذا بدوره بات ينعكس على اسعار السلع الرئيسية والاساسية ويخشى الاقتصاديون في العالم ان يؤدي ذلك الى ارتفاع التضخم واتباع سياسات للحد منه تنعكس سلبا على الاقتصاديات الصغيرة والمتوسطة، ومنها الاقتصاد التونسي الذي حتى وان كان في ظاهره متماسكا الا ان تماسكه هش قد ينفرط عقده قريبا.

المخاطر المباشرة والقريبة في ظل هذا الوضع الدولي وصعود اليمين وتفاقم ازمة الشحن، ستؤدي الى تراجع النمو العالمي كما ستؤثر على حركة السلع والاسعار وعلى قيمة صرف العملة ونسبة الفائدة التي قد ترتفع لتفاقم ازمة الديون للدول النامية.

ازمة مرجحة قد تبدو حتمية لا مناص منها، ويمكن التقليص من تداعياتها اذا انتهجت الدولة التونسية سياسات استباقية تاخذ بعين الاعتبار هذه المتغيرات في المعادلة الشاملة والمخاطر المتنامية دوليا واقليميا

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115