-وإن كان ذلك بصفة متفاوتة - من نظافة المدن الى اداء المدرسة العمومية مرورا بالنقل والصحة والخدمات الادارية، وذلك لا ينفي وجود جهود مبذولة في مختلف هذه الميادين، لكن الانطباع أن مجمل هذه الخدمات العمومية في وضعية غير مرضية وأننا لا نشاهد تحسنا واضحا في احداها رغم ما يدعيه بعض المسؤولين احيانا.
لقد اعتقدنا لردح من الزمن ان مؤسسات الانتقال الديمقراطي وما رافقها من توسع رقعة الحركات المطلبية والاحتجاجية هي التي ادت الى استضعاف الدولة وبالتالي الى التراجع الحاد في جودة الخدمات العمومية.
هذا التشخيص ليس خاطئا لكنه ليس كاملا وشاملا في نفس الوقت اذ بعد ما يناهز عن السنوات الثلاث من مركزة الحكم والغياب شبه التام للحركات الاحتجاجية والمطلبية لم نلاحظ مع ذلك تحسنا في الخدمات العمومية باعتراف الجميع ..
أين يكمن الإشكال؟
هنالك مداخل عدّة للإجابة عن هذا السؤال بدءا بعدم وضوح لوحة القيادة العامة وعدم التشخيص الدقيق لكل هذه النقائص في تعقيداتها وتداخلاتها ممّا منع وجود خارطة طريق واضحة للإصلاح بأهدافها العامة ومراحلها الزمنية والتمويلات الضرورية لكل هذا .
مشكلة النقل العمومي لا تحل باستيراد بعض الحافلات ومشكلة النفايات لا تحلّ ايضا برفع الفضلات المنزلية في الابان - على الاهمية القصوى لهذا الرفع – وذلك لأننا ازاء منظومات معقدة ومركبة تتداخل مع بعضها البعض ، لإصلاح عطب ما لابد من اصلاح كل اعطاب المنظومة وفي حالات اخرى اصلاح المنظومة كاملة حتى نضمن استدامتها وقدرتها على تحقيق ما يطلب منها ..
منذ حوالي ثلاث سنوات اندلعت اأزمة النفايات في مدينة صفاقس واكتشفنا حينها مشكلة مصبّ الفضلات في عقارب ثم استحالة وجود مصبات مراقبة بديلة نظرا لرفض كل سكان الولاية لوجود مصب في منطقتهم وحصل حديث عن تثمين الفضلات ومعالجتها.. والسؤال الجدي الوحيد : أين نحن الآن من هذه الأزمة؟ وهل وجدنا لها حلاّ مستداما، ام هي كالعادة حلول جزئية ترقيعية ؟ للأسف نحن لا نكاد نجد اسئلة واضحة عن هذه الاسئلة.
ولو وسعنا زاوية النظر ونظرنا الى معضلة النفايات المنزلية والصناعية والنفايات الخطرة فهل لدينا اليوم منظومة لها الشروط الدنيا من الاستدامة؟ وهل او جدنا التمويلات الضرورية للقيام بالإصلاحات المستوجبة؟ وقبل كل هذا هل لدينا حل عملي مستدام وبديل لمصب برج شاكير الذي يغطي الجزء الاكبر من تجميع نفايات ولايات تونس الكبرى؟
أين هي المخططات المديرية لكل هذا؟ وهل حصل حولها او حول مشاريعها الحوار المجتمعي المطلوب؟ وهل نعلم نحن المواطنات والمواطنين كيف ستكون مدننا في افق 2035 مثلا؟
لا نريد ان تقول ان مختلف الوزارات المعنية بالخدمات العمومية من تعليم وصحة ونقل ونظافة وامن وغيرها لا تشتغل، لكنها لا تشتغل في علاقة تشاركية مع المجتمع وقواه الحية بما يمنعنا من المعرفة اولا والنقد والنصح ثانيا واقتراح الحلول الامثل ثالثا وضمان المقبولية المجتمعية رابعا ..
ما نعلمه فقط أن المركزة المفرطة سلطة لم تفض – الى حد اليوم على الاقل – الى تحسن ولو نسبي ..
ما نعلمه فقط انه لا بديل جدي عن التشاركية الفعلية.