وكشفت عن ازمة سياسية وقيمية طالت الغرب والعرب والسلطة الفلسطينية وجمعتهم ليكونوا من المتورطين ضمنيا في استمرار الحرب ومواصلة الاحتلال ارتكاب المجازر التي اودت بحياة 33 ألفا و37 شخصا واصابة 75 ألفا و668 اخرين ودفعت بمن ظل حيا الى مجاعة تعد الاعنف والاّحّد في التاريخ الحديث.
ستة اشهر مرت من عمر الحرب التي اعلنها الاحتلال على قطاع غزة ورسم لها أهداف ابرزها القضاء على حركة حماس واستعادة اسراه لدى المقاومة وفرض منطقة امنة على الحدود مع قطاع غزة، وهي الاهداف التي دعمتها الحكومات الغربية وروجت لها باسم محاربة الارهاب والتطرف الذي «وصمت» به الفصائل الفلسطينية لمجرد ممارستها لحقها مقاومة الاحتلال و الدفاع عن حقوق الفلسطينين.
وصم وتواطؤ غربي صريح كشف عن ازدواجية المعايير والمنظومة القيمية الغربية التي باشرت منذ 7 اكتوبر في رسم سردية مشتركة تهدف الى تبرير الحرب على غزة وتسويقها على انها دفاع عن النفس ونزعت عنها كل سياقاتها السياسية والتاريخية وبحثت عن فرض رواية صهيوـ مسيحية تعيد تشكيل المشهد والحدث وفق سياق يجعل من الضحية الجاني ويبرئ القتل ويقدمه على انه بطل.
وهذا ما اتته الادارة الامريكية التي لم تكتف لتبرير جرائمه الاحتلال والدفاع عنه بل برأته من جريمة قصف مستشفى المعمداني واتهمت بها المقاومة الفلسطينية وهو ما استمرت عليه ادارة بايدن وحكومات اوروبية دافعت عن استهداف المستشفيات وقصفها تحت ذريعة انها جزء من بنية تحتية للمقاومة.
تبرير جرائم الاحتلال والدفاع عن المحتل ودعمه سياسيا وعسكريا وماليا واعلاميا هو ما اتته نخب غربية هاجمت كل الاصوات التي دعمت الحق الفلسطيني الذي تنفيه هذه النخب وتسوق لسردية صيوهنية تعيد كتابة تاريخ المنطقة وفق الارث الاستعماري الذي اتضح ان جزء غير هين من الطبقة السياسية والفكرية الغربية التي لا تزال تستبطن اسسه الفكرية واولها التفوق الاوروبي الامريكي الذي بلغ حد التشكيك في ارقام الشهداء الفلسطينين او اعتبارهم اضرارا جانبية او ضحايا المقاومة التي تسعملهم كدروع بشرية.
تواطؤ اضر سياسيا بالحكومات الغربية التي باتت تواجه غضب شوارعها التي تدينها وتتهمها بالتواطئ في جرائم حرب خاصة بعد خطوة جنوب افريقيا وملاحقة الاحتلال في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب ابادة جماعية في حق الفلسطينين في غزة، وهو ما اجبر بعض العواصم على تعديل نهجها خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة قبل ان يصل المشهد الى وضعه الراهن من ازمة في العلاقات بين الاحتلال وعدد من العواصم الغربية التي التلحقت جزئيا او كليا باسبانيا وايرلاندا في ادانة الحرب والمطالبة بوقفها.
تطور المشهد الدولي وبحث القوى الكبرى اليوم عن انهاء الحرب لم يكن ليحدث لو لا صمود المقاومة واستمرارها في توجيه ضربات للاحتلال وجنوده الذي لم يكتف بفرض سياق ميداني صعب لجيش الاحتلال الذي انتقل من القصف العنيف الى خيارات عسكرية تقوم على تاليب الفلسطينين على المقاومة عبر فرض حصارا عنيفا ومنع دخول المساعدات الى القطاع لتعاقب الفلسطنين وتستعمل ضدهم سلاح الطعام.
خطوة كشفت اكثر عن انهيار الاحتلال وعرت زيف مقولاته وسرديته التي بنيت في السابع من اكتوبر وقدمته على انه قوة خير تواجه «الشر»، انهيار السردية والبيت الداخلي للاحتلال وتصدع علاقته الدولية مع جل العواصم الغربية واولاها الولايات المتحدة الامريكية التي ولئن استمرت في دعم الحرب الا انها لم تتوقف عن ابداء انزعاجها من حكومة الاحتلال وخطتها الحربية التي قوضت الدعم الدولي لها وانقلب لادانة واسعة تجلت في قرار مجلس الامن الدولي بوقف اطلاق النار. قرار وان لم يطبق في ظل تعنت الاحتلال الا انه دفع باصوات غربية الى ان تطالب بتطبيق عقوبات على الكيان الصهيويني واولها وقف بيع السلاح له.
وفي خضم كل هذا هيمن الصمت العربي الذي بلغ حد تواطئ بعض الانظمة ومنها السلطة الفلسطينية في رام الله التي انخرطت اليوم في خيار ضرب المقاومة والتشكيك فيها بل واتهامها بانها سبب الكارثة وانها قادت الفلسطنين الى المذبحة حينما نفذت عملية طوفان الاقصى، ولم يقف موقف السلطة عند الادانة التي انطلقت منذ بداية الحرب بل قامت بخطوات عملية بهدف تهيئة الارضية لتنزيل خطة «اليوم الموالي» والقصد هو ما بعد الحرب على غزة.
اذ يبدو ان عددا من الدول العربية مهتمة بتحقيق اهداف الاحتلال في حربه بدل وقف هذه الحرب التي كشفت الكثير، واول ما كشفته ليس انهيار الغرب وازدواجية معاييره بل التواطؤ العربي الذي لم يسبق له مثيل رغم حجم الدمار والخراب والجرائم التي ارتكبها الاحتلال الذي تستقبل دول عربية سفارات وتمثليات دبلوماسية له وتفتح اراضيها امام جسري بري ينقل البضائع والسلع اليه.
وضع غير مسبوق في المنطقة التي باتت اليوم مهددة باتساع رقعة الحرب بعد التصعيد الصهيوني الاخير ضد ايران وتطوراته التي تكشف عن مركب نتج عن حرب يبدو انها ستعيد، ايا كانت نتائجها، تشكيل المشهد الاقليمي والدولي