زمن النقاش العام والتداول والاعتراض وأحيانا الاحتجاج والبحث عن حلول وسطى وهذا ما يضعف احيانا نسبيا السياسات العمومية ويؤخر الانجاز حتى عندما يتعلق الامر بالبنى التحتية (طريق سيارة .. مطار..) ويكون القرار النهائي أقوى وأصلب لأنه حاز على اتفاق اي على اقتناع أدنى من مختلف المتدخلين.
لقد أعتقد العديد من التونسيين ان تجميع السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة سوف يربح البلاد وقتا كان الانتقال الديمقراطي يهدره في التفاوض والنقاش ومحاولة الاقناع، لكن ما نلاحظه بعد حوالي سنتين ونصف من تجميع رئيس الدولة لكل الصلاحيات التنفيذية بالمعنى الواسع للكلمة، أن نجاعة السياسات العمومية ليست في الموعد وأن الارادة السياسية لا تتحول دوما الى فعل يغيّر المعطيات وان هنالك قدرة على فتح العديد من الملفات لكن دون الانجاز الفعلي والعملي لها ..
أين يكمن الإشكال؟ هل في عدم تناغم الحكومة مع رئيس الدولة ؟ أم في الإدارة وفي الفساد الذي تسلل الى اجهزة الدولة؟ أم في المناوئين الذين يريدون اسقاط كل شيء؟
قد يكون لبعض هذه العوامل دور في هذا البطء الكبير، لكن الواضح ان المشكلة الاساسية في الحوكمة العامة للبلاد وان ما كان يُعتقد انه اختصار للمسافات اصبح بدوره عاملا معيقا للانجاز.
العلاقة العمودية المباشرة بين رئيس الدولة وكافة أجهزة الدولة ومؤسساتها خلفت حالة من عدم تحمل المسؤولية لدى مختلف مستويات الهرم الاداري وذلك رغم التاكيد المتكرر لرئيس الدولة على أن يتحمل كل المسوؤلين مسؤولياتهم، لكن هنالك شعور بعدم الامان وان كل اجتهاد قد يؤدي بصاحبه الى التهلكة إلا في مجال واحد وحيد: المحاربة الفرجوية للفساد او ما يُقدم على أنه كذلك، أما الاجتهاد لحلحلة مشروع تنموي معطل او لإعانة فاعل اقتصادي محلي او أجنبي فإن ذلك يصبح مدعاة للمساءلة ووعاء للوشايات الكيدية وغير الكيدية على حدّ سواء.
أما الجانب الثاني، ولعله الاهم ، لهذا الاشكال فهو الاضطراب البادي للعيان على الكثير من المسؤولين الذين لا يدركون حقيقة التوجهات الرئاسية فتراهم يعملون لفترات قد تكون طويلة على ملفات لا تنال بعد ذلك رضا رئيس الدولة فيذهب الجهد والوقت هدرا كالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي استمرت اكثر من سنة وكانت حكومة نجلاء بودن تقول انه لا وجود لبديل عن الاتفاق مع هذه المؤسسة المالية لكن تم تعليق الامر وآخر ذلك المشروع الجديد لمجلة الصرف الذي اعتبرته الحكومة ثورة تشريعية ووافق عليه مجلس الوزراء يوم 14 مارس الماضي لكن الى حدّ اليوم لم يتم تمرير هذه المجلة لمجلس النواب ولسنا ندري ما الأسباب الكامنة وراء هذا التأخير.
ثم إن السياسات العمومية تحتاج اولا الى رؤية تفصيلية وثانيا الى فريق متضامن متكون من كفاءات عالية يشتغل كفريق لا كجملة من الافراد، وبما ان امكانيات البلاد محدودة لابد من ضبط أولويات صرف المال العام وضبط محاور الاصلاح العاجلة وان تحدد مهمة كل مسؤول في الدولة بدقة وان يقيم وفق عقد أهداف وان نعامله وفق الحديث النبوي «من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحدا».
النجاعة بالنسبة للدولة الحديثة لا تتناقض البتة مع التشاركية الفعلية لا الصورية ومع التداول في الفضاء العمومي وتقارع الافكار والتصورات والبر امج .
قوة الدولة ليست في سطوتها بل في تعبيرها عن الارادة العامة وتعيين الاجدر، والأجدر فقط، في مختلف مواقع القرار والتنفيذ