وعلى اسواقه التي لم تشهد ذات نسق الاقبال السابق من المستهلكين ولا ذات مستويات الانفاق المسجلة في السنوات الفارطة، اذ حل رمضان هذه السنة في ظل وضع اقتصادي ومالي صعب تمر به جل الاسر التونسية للسنة الرابعة على التوالي.
ولئن لم يعلن ضعف الاقبال على التبضع والانفاق الاستهلاكي في شهر رمضان عن مؤشراته واحصائياته الدقيقة لا من قبل وزارة التجارة او من اية مؤسسة رسمية او احصائية الا انه يمكن رصد مظاهره في السلوك الاستهلاكي للتونسين في الاسواق وفي المساحات التجارية الكبرى، وفي قائمة البضائع والمواد المقتناة وكمياتها ووتيرة التسوق، سنجد اننا ازاء مظاهر لا تتناغم مع مفهوم الانفاق الاستهلاكي الموسمي، الذي تعتبر ابرز ملامحه كثرة الانفاق وارتفاع الطلب، الذي يتجسد في مؤشر وحيد وهو ارتفاع مستوى الانفاق الاستهلاكي للاسر التونسية بنسة 40 ٪ خلال هذا الشهر وفق بيانات سابقة لمعهد الاحصاء.
مظاهر يمكن معاينتها في الاسواق التونسية وفي المساحات الكبرى والمحلات التجارية خاصة المختصة في المواد الغذائية او المرطبات والحلويات، وبروز متغيرات في النمط الاستهلاكي للتونسيين في شهر رمضان، مظاهر رافقتها احصائيات قد تصدر عن وزارة التجارة او عن المعهد التونسي للقدرة التنافسية او عن المعهد الوطني للاحصاء يمكن ن يقع تفكيكها لتفسير ما بلغته الاوضاع الاقتصادية في تونس حيث يقدر حجم الانفاق الفردي فيها سنويا بـ 5468 دينار تونسي.
لمعرفة ان ما تعيشه الاسواق التونسية والمحلات التجارية بمختلف اصنافها اليوم في البلاد خلال شهر رمضان الذي يعتبر من ابرز مناسبات الانفاق الاستهلاكي بالاضافة الى مناسبات اخرى دينية او غيرها كموسم التخفيضات، يمكن ان يستند الى مؤشرات سبق صدورها حلول الشهر المعظم، ومنها التقرير الصادر في اوت 2022 عن المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية التابع لوزارة الاقتصاد والتخطيط الذي تطرق الى القدرة الشرائية للأسر التونسية خلال الفترة الممتدة من 2011 الى 2022، او نتائج المسح الوطني حول الانفاق والاستهلاك ومستوى عيش الاسر التونسية الصادر في 2021 ، والذي كشف عن ان هيكلة الإنفاق الأسري شهدت تغيرا هاما يتمثل في ارتفاع حصة التغذية من اجمالي الانفاق من 28.9 % سنة 2015 إلى 30.1 % سنة 2021 ، وهو ما يتناقض مع المنحى التنازلي الذي عرفته في عقود مضت بعد ان عرفت منحا تنازليا لعدة عقود.
هذا المؤشر الخاص بحصة التغذية من الانفاق الاستهلاكي للتونسين هام جدا لرسم صورة عن واقع الحال اليوم، أن يشكل متوسط انفاق الاسر التونسية ثلث نفقاتهم على الغذاء والطعام، في ذلك اشارة الى ضعف دخل الاسر وبالتالي ضعف قدرتها الشرائية التي تتجلى اليوم في المؤشرات الخاصة بحجم اقبال التونسيين على موسم التخفيضات الشتوي الاخير.
وقد أقرت كل من وزارة التجارة ورئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة بمنظمة الأعراف، ان دورة موسم التخفيضات الاخيرة التي امتدت لشهر ونصف لم تحقق الهدف المرجو منها ولم تنشط الحركة التجارية في البلاد التي ظلت في حالة ركود. وهو ما لا تقوله وزارة التجارة التي تحبذ الاستنجاد بعبارات من قبل ضعف الاقبال.
هذا ما يمنحنا أطرا أولى لفهم ما يتم رصده من سلوكيات استهلاكية ومن معدل انفاق خلال الشهر المعظم، ويبين لنا خفايا الوضع الذي يعيشه التونسي. نظريا حافظ التونسي على ما يمكن اعتباره معدل انفاق استهلاكي عام، يتمثل في ما ينفقه التونسي شهريا او دوريا على البضائع والسلع والخدمات وغيرها من مورد دخله ونسبة هذا الانفاق منه ونسبة الادخار.
هنا قد نجد ان التونسي حافظ على معدل الانفاق الاستهلاكي الفردي، الا أن هذا لم يسمح بتسجيل طفرة في الاستهلاك او تحسن في مؤشرات السوق عامة، بما يبين اننا ازاء قدرة شرائية ضعيفة جدا للتونسي، الذي حافظ على حجم انفاقه تقريبا ولكنه بات يستهلك أقل. وهذا من ابرز علامات التضخم الركودي والانكماش الاقتصادي الحاد