ما عدا بعض البيانات او التصريحات المتعلقة بمستقبل الحكم في القطاع بعد الحرب، او ما يعرف بترتيبات اليوم الموالي التي رسمتها الادارة الامريكية والاحتلال وكلفت السلطة بتطبيقها.
غياب يبدو انه اقل حدة ووطأة من الحضور الذي عبرت عنه السلطة عبر بيان صادر عن حركة فتح التي باتت اليوم تتهم حماس «بالتسبّب في ـنكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة العام 1948» وذلك في رد الحركة على بيان صدر عن فصائل فلسطنية من بينها حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تطرق الى مسألة تعيين «محمد مصطفى» رئيسا للحكومة الفلسطينية الجديدة.
تعيين رفضته الفصائل وأعتبرت انه يعكس انفصال السلطة الفلسطنية ورئيسها عن الواقع اليومي للفلسطينيين، وانه كان من الافضل ان يقع ذلك في اطار توافق وطني، وفي غياب هذا التوافق يعتبر تعين رئيس حكومة وحكومة جديدين «خطوة فارغة من المضمون تعمق الانقسام».
بيان سياسي انتقدت فيه فصائل كالجهاد الاسلامي اقدام رئيس اللسطة الفلسطسنية محمود عباس على تعيين رئيس حكومة جديد مقرب منه ومحسوب عليه رغم عدم انتمائه الى حركة فتح، قابله رد فعل عنيف كليا من قبل حركة فتح التي اتهمت المقاومة بانها «تسببت في إعادة احتلال قطاع غزة» وذلك حينما اقدمت على ما وصفته بـ«مغامرة» هجوم السابع من اكتوبر.
ولم يقف الهجوم الذي شنته حركة فتح والسلطة الفلسطينية على المقاومة عند هذا الحد بل ذهب الى ابعد من ذلك حينما وردت في بيان فتح اشارة الى أن حماس لا يحق لها الحديث عن الاولويات الوطنية وانها وفي مفاوضاتها الجارية مع الاحتلال لم تقم بالتنسيق او التشاور مع بقية الفصائل وان حماس لا هم لها الا ضمان امن قياداتها المقيمة في الخارج.
اتهامات عدة حملها البيان الذي وردت فيه عبارات تضمنت اتهامات بالعمالة الى ايران والتلاعب بمصير الشعب الفلسطني من اجل اغراض شخصية او لخدمة اجندات خارجية، هنا تستثني حركة فتح بقية الفصائل التي اصدرت بيانا مشتركا وخصت بهجومها حركة حماس.
إفراد قد يساعد على كشف الدوافع التي قادت فتح الى هذا الهجوم الحاد والعنيف على حركة حماس وعلى احداث السابع من اكتوبر، هنا، لم تتهم الحركة الرئيس بانه منفصل عن الواقع فحسب، ولا باعتبار ان نقاش مسألة رئيس الحكومة دون تشاور مع الفصائل الفلسطنية تكريس لوضع الانقسام الداخلي، فهذا ما تبنته حماس وبقية الفصائل لكنها استثنت الفصائل وهاجمت حماس بعنف.
هجوم يبدو ان الدافع اليه هو «ترتيبات» اليوم الموالي، فما لم تعلنه فتح في بيانها كذلك السلطة بشكل صريح ان التنسيق مع الاحتلال بشأن ادارة الاوضاع في قطاع غزة ما بعد الحرب متقدم، اضافة الى الالتزام بالموقف الامريكي وخارطة الطريق الاولوية التي وضعتها والتي تفرض اختيار رئيس حكومة من خارج حركة فتح وهو ما قام به محمود عباس رئيس السلطة.
التزام بخطة الادارة الامريكية التي تخدم الاحتلال بالاستجابة لشرط ان يكون رئيس الحكومة من خارج الفصائل التقليدية بل في ترتيب ادارة قطاع غزة دون حماس، فما تمضى فيه السلطة مدفوعة بالتنسيق مع الاحتلال هو خطة لادارة القطاع تعتمد على قوات فلسطينية تدعم من قبل عناصر من الفصائل الفلسطينية المعارضة لحماس في القطاع. وتسويق الامر على انه حتمية لتحقيق هدف اعادة اعمار غزة بعد الحرب، فوجود حماس في المشهد سيحول دون تعبئة موارد مالية تقدر بـ90 مليار دولار سيمنحها المجتمع الدولي، وغير ذلك من التبريرات السياسية لتعليل ما تقوم به القوى الامنية الفلسطينية الموالية للسلطة من ترتيبات لحكم قطاع غزة دون حماس.
و يبدو ان السلطة وحركة فتح قد صاغتا تصورا لليوم الفلسطيني الموالي ينطلق من ان حركة حماس وباقي فصائل المقاومة في القطاع ضعفت ويمكن اليوم ان يقع تقليص تاثيرها في القطاع، قبل انتهاء الحرب وتحميل الحركة المسؤولية امام الفلسطينيين عما حدث منذ السابع من اكتوبر وقبله.
فالسلطة الفلسطينية الراهنة تعتبر ان احداث السابع من اكتوبر مغامرة اقدمت عليها حماس ولا تخدم غير مصالحها ومصالح قوى خارجية مرتبطة بها، وان النكبة الراهنة وحرب التجويع والتهجير ما كانت لتحدث لو لا ذلك، وهذا الخطاب يراد به اعادة رسم سردية تجعل من المقاومة خيارا خاطئا وكارثيا يؤدي الى النكبة والهزيمة.
وهذا ما لم يستطع الاحتلال رغم كل وحشيته وجرائمه ان يرسخه في وجدان الفلسطينيين، ودفعهم الى التخلي عن المقاومة والرضوخ للامر الواقع بذريعة ان المقاومة لم تخلف غير التدمير والتهجير والتقتيل وانه من الافضل ان يضمن الشعب الفلسطيني حياته تحت اي ظرف، وان الذهاب عكس هذا الراي «مغامرة ومقامرة» لن تجلب الا الخراب.
ربط المقاومة بالخراب والدفع الى جعلها تفقد حاضنتها الشعبية هو المعنى الوحيد من بيان حركة فتح الاخير وهو ما يسقط عنها اخر ورقات التوت ويكشف عن انها كبيقة الانظمة تسعى الى ضمان مصالحها وحكمه