التي شهدتها بلادنا في العقدين الأخيرين.من بين عناصر الفخر هذه المعهد الوطني للإحصاء الذي ظل يشتغل بانتظام (رغم بعض تعثراته الداخلية) وينتج جملة من التقارير والبيانات الدورية لم تنلها بعد يد السياسة التوظيف والتي لولاها لكنا عاجزين على ادراك علمي لجزء هام من واقعنا الاقتصادي والاجتماعي.
ولكن تبقى الاساسية لهذا الانتاج الغزير غياب القراءات الاستشرافية ،او لنقل غياب جهة عمومية تتولى الاستشراف على المديين القصير والمتوسط ، هذا باستثناء الاستشراف الديمغرافي الذي يقوم به المعهد بمناسبة قيامه بالتعداد السكني العام كل عشر سنوات .
ما قلنا عن المعهد الوطني للإحصاء ينطبق ايضا على العديد من المؤسسات (البنك المركزي مثالا) والمصالح الفنية لبعض الوزارات التي تنشر بدورها بيانات دورية على غاية من الاهمية .
لدينا الآن لوحة قيادة الصناعة التونسية والمتمثلة أساسا في نوايا الاستثمار في مختلف الصناعات المعملية وكذلك عدد الشركات المحدثة كل سنة .
لو تأملنا في نوايا الاستثمار في الصناعات المعملية لكامل سنة 2023 لوجدناها قد تراجعت بـ%5.2 مقارنة بسنة 2022 والتراجع اكبر من هذا المعدل في القطاعين الأساسيين الذين يمثلان اكثر من %60 من نوايا الاستثمار الاجمالية فالاستثمار قد شهد تموا سلبيا بـ%13.6 ي الصناعات الغذائية وفي الصناعات الميكانيكية والكهربائية بـ%20.3 .
نضيف الى هذه المعطيات نتائج التجارة الدولية لتونس خلال شهري جانفي وفيفري 2024 والتي اصدرها المعهد الوطني للإحصاء يوم امس اذ نجد فيها تقلصا ملحوظا للعجز التجاري مقارنة بالسنتين الفارطتين وهذا ايجابي للغاية كما أن نمو صادراتنا بـ%5.9 مقابل استقرار وارداتنا (%0.2) هو كذلك ايجابي في المطلق رغم كوننا ازاء تراجع هام لتجارتنا الخارجية توريدا وتصديرا لو اعتمدنا الأسعار القارة بدلا من الأسعار الجارية ولكن يبقى المعطى السلبي للغاية هو تواصل تراجع توريد المواد الاولية ونصف المصنعة بـ%6.9 بما يؤثر على تراجع قادم في التصنيع وبالتالي في التصدير كنتيجة حتمية لهذا تراجع القيمة المضافة والقدرة التشغيلية لآلتنا الانتاجية .
كل هذا علاوة على الوضعية السيئة لصناعتنا الاستخراجية وخاصة في قطاع الفسفاط الذي تراجعت نسبة التصدير بـ%26 مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة .
ماذا لدينا في المحصلة ؟
تراجع في نوايا الاستثمار على امتداد كامل سنة 2023 يرافقه تواصل تراجع توريد المواد الاولية ونصف المصنعة اي المواد التي سيتم تحويلها في المصانع التونسية بغاية التصدير او الترويج في الاسواق الداخلية وهذا كله يعني أمرا واحدا : بطء في الدورة الانتاجية وضعف في القيمة المضافة اي تواصل الركود الاقتصادي (هذا إن لم ينكمش) مع ارتفاع في نسبة البطالة او بقائها في نسبتها الحالية(%16.4).
لاشك أن جزءا من هذه المعطيات له اسباب موضوعية ولكننا لا نر من السلط العمومية ارادة في ايقاف هذا النزيف ولا تصورا عمليا لإنعاش التنا الانتاجية التي طالتها العطالة وكأننا ازاء مشكلة بسيطة لا تستحق ان تتجند لها كل اجهزة الدولة في تناغم مع الفاعلين الاقتصاديين بأصنافهم .
يبدو اننا لم ندرك بعد انه لا سبيل لتوفير الكرامة للتونسيات والتونسيين دون اقتصاد صلب ونشيط وأن هذا يشترط الترفيع المستمر في الاستثمارات العمومية والخاصة والارتقاء في سلاسل الانتاج العالمي بفضل دولة مُخططة (un Etat stratège) تستشرف التغيرات قصد الاستفادة منها ، ولكن حينما نعلم أن مسار المصادقة على مخطط التنمية 2023-2025 لم ينته بعد ندرك طول المسافة التي تفصلنا على بلوغ الحدّ الادنى من الفاعلية والفعالية التنموية .
بين نوايا الاستثمار ونتائج التجارة الخارجية: مخاطر الركود تتفاقم
- بقلم زياد كريشان
- 15:01 15/03/2024
- 496 عدد المشاهدات
مازال لدينا في تونس ما نفخر به رغم كل الهزات والتراجعات