النمو الهش: ثروة تونس المهدورة

منذ الثورة كثيرا ما عاد الحديث عن ثروات البلاد المنهوبة

سواء أتعلق الأمر بما هرّب من البلاد على امتداد عقود أو اهدار للثروات الطبيعية بموجب عقود يعتقد البعض أنها غير عادلة أو للتراجع الكبير للانتاج كما هو الحال في الفسفاط وفي النفط.

هذا جزء من المشكلة دون شك شريطة الابتعاد عن الشعارات والمعطيات الفضفاضة وغير الدقيقة ولكن هنالك ثروة أساسية نحن بصدد هدرها وهي ما تخسره البلاد سنويا جراء النمو الهش.

في التقرير الذي أصدرته وزارة المالية حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 نجد أن حجم الدين العمومي للدولة قد ناهز 140 مليار دينار وذلك يمثل حوالي 80 ٪ من الناتج المحلي الاجمالي وعليه سيكون الناتج المحلي الاجمالي لتونس في موفى هذه السنة في حدود 175 مليار دينار، هذا بالطبع إذا حققنا نسبة نمو بـ 3 ٪ كما هو مبرمج في قانون المالية.

نستنتج من هذا أن كل نقطة نمو نخسرها سنكون قد أهدرنا 1،75 مليار دينار وهي خسارة لن تعوض - على عكس بعض الأموال المنهوبة ربما - بل وستضعف أيضا امكانيات نمو أفضل في السنوات التي تليها.

عندما نعلم أن معدل نمو البلاد هو في حدود 1،5 ٪ سنويا من 2011 إلى 2023 بينما كان معدل النمو في العشرية السابقة للثورة 4 ٪ و 5 ٪ في تسعينات القرن الماضي ندرك كم أهدرنا من مليارات الدنانير علىامتداد كامل هذه السنوات، ومعها بالطبع عشرات آلاف مواطن الشغل وتحسن في القدرة الشرائية وفرص عمل أكبر لبناتنا وأبنائناوبيئة جالبة أكثر للاستثمارات العالمية، فالثروة تخلق الثروة كما أن الفقر يخلق الفقر.

لم نر من الحكومات المتعاقبة الى حدّ اليوم وقفة جدية حازمة لايقاف هذا النزيف الذي يهدر الثروة الفعلية الدائمة للبلاد لأنها الثروة الناجمة عن العمل والابداع والتجديد وخلق القيمة المضافة.

لقد طغى شعار في بداية الثورة مفاده أننا تحتاج الى تنمية عادلة ادماجية لا الى نمو اقتصادي قد يعمق الفوارق بين الجهات والطبقثات الاجتماعية، وفي الحقيقة نحن ازاء شعار جميل لكنه خطير على البلاد ومستقبلها، فلا تنمية دون نمو قوي ومستدام ولا نمو دون استثمارات كبيرة عمومية وخاصة وطنيا ودوليا ولا استثمار دون مناخات ايجابية لا فقط اقتصاديا بل اجتماعيا وسياسيا كذلك مع دولة قانون تحمي الحقوق والحريات ودولة مخططة تحفز النمو وتخلق فرص جديدة له.

لو أرادت هذه الحكومة - أو التي ستليها - فعلا خدمة الشعب، عليها الاشتغال بجدية لوقف اهدار الثروة الوطنية الأساسية، ثروة العمل والاجتهاد والابتكار، واذا كانت عاجزة عن ذلك - لسبب أو لآخر - فلتستنتج النتائج... كل النتائج

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115