مبادرة النواب لتنقيح المرسوم 54: جولة جديدة في الصراع ؟

يبدو ان مبادرة 40 نائبا بتقديم نص مشروع لتنقيح المرسوم 54

ينظر اليها من قبل بعض الفاعلين في المشهد السياسي على انها جولة جديدة في الصراع المكتوم بين مجلس النواب والرئاسة، اذ ان المبادرة اثارت جدلا حول مشروعيتها القانونية ووجهتها السياسية.

جدل احتدم خلال اليومين الفارطين بين فريقين كل منهما يقدم نفسه على أنه مناصر لمسار 25 جويلية والقائم عليه. مباشرة اثر ايداع 40 نائبا من كتل مختلفة في مكتب الضبط لمبادرة تتعلق بتنقيح المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال يوم الثلاثاء الفارط، برز موقف من انصار مسار 25 جويلية يعتبر أنه من غير القانوني تنقيح مراسيم صادرة عن الرئيس بحكم الامر الرئاسي عدد 117 الصادر في سبتمبر 2021.

ويرفض أصحاب هذا الطرح مجرد طرح فكرة تنقيح أي مرسوم رئاسي ويعتبرون ان المراسيم وقع تحصينها بموجب الامر الرئاسي عدد117 وانه لا يمكن تنقيحها او سحبها الا من قبل الجهة المبادرة اي من قبل الرئيس دون غيره، واصحاب هذا الراي لا يقفون عند مستوى قانونية او عدم قانونية مبادرة التنقيح و يذهبون الى اعتبار ان الامر مدبر.

القصد هنا ان اقدام 40 نائبا من كتل مختلفة على تقديم مشروع تنقيح للمرسوم تتجاوز اهدافه ما أعلنه النواب المبادرون، والاهداف المعلن عنها هي تعديل فصول المرسوم وخاصة الفصل 24 منه والذي يعتبرونه فصلا زجريا يتضمن عقوبات سالبة للحرية في قضايا تتعلق بحرية التعبير والاعلام، وهو فصل يقول عنه بعض النواب انه وقعت اساءة استخدامه فبات يضيق على حرية الاعلام والتعبير، وهذا يناقض الهدف الذي من اجله صدر المرسوم وفق النواب المبادرين.

ويعتبر النواب المنتسبون الى كتل «الخط الوطني السيادي» و«كتلة الاحرار» وكتلة «صوت الجمهورية» وباقي الكتل ان مبادرتهم تهدف الى ان يحقق المرسوم عدد 54 الهدف منه وهو مكافحة الجرائم الالكترونية والحد من الفوضى على شبكات التواصل الاجتماعي» الا انه وقع الانحراف به اثناء التطبيق فوقع التضيق على حرية التعبير والرأي.

وهم يحرصون على ابراز ان مبادرتهم بتنقيح المرسوم لا تهدف الى الغائه او سحبه بل الى تعديله وهذا يندرج ضمن صلاحياتهم كغرفة تشريعية اكتشفت استعمالا مبالغا فيه لنص المرسوم وفق النائب محمد علي وذلك ما يتطلب من البرلمان التدخل وتقديم مقترح لتعديل المرسوم، وهذا يندرج بدروه في اطار مهام مجلس النواب الذي له صلاحية اصدار القوانين.

هذه حجة النواب لدفاعهم عن مبادرتهم لتجنب الجدل حول قانونية تنقيح المرسوم الرئاسي او مدى وجاهته السياسية، وما يحرص النواب المبادريون على تسويقه انهم لا يبحثون عن الصدام المباشر مع الرئاسة باعتبارها الجهة المصدرة للمرسوم بل أنهم يقومون بذلك في اطار القيام بمهمتهم ووظيفتهم التشريعية صلب مجلس النواب الذي بانعقاده يصبح الاستثناء محددا ومقيدا وفق دستور 2022.

اشارة يراد بها التذكير بان البرلمان ووفق دستور 2022 هو الجهة المخولة لاصدار القوانين ومراجعة النصوص القانونية المنظمة للحياة العامة في تونس بما في ذلك مراجعة المراسيم التي حدد الدستور الجديد اطار اصدارها وضبطه. وهذا ما يعنى ان البرلمان وبشكل غير مباشر وصريح يسعى الى افتكاك صلاحيته من السلطة التنفيذية وتوجيه رسالة اليها بانه ليس مجرد غرفة يقتصر دورها على المصادقة على قوانين المالية او مشاريع القوانين التي تقدمها له السلطة التنفيذية.

رسالة حتى وان كانت غير مباشرة الا انها التقطت بشكل واضح من قبل انصار السلطة التنفيذيةـ التي سبق لها ان كانت في مواجهة مع المجلس اثناء مناقشته لمشروع قانون تجريم التطبيع وما آلت اليه الاوضاع بينهماـ وهم في هذا لم يجانبوا الصواب كليا، وفي خطوة النواب رسالة سياسية.

رسالة لا تتعلق فقط بالصلاحيات بل بدور المجلس في المشهد السياسي العام في البلاد في ظل انطباع لدى النواب بان السلطة التنفيذية تنظر الى المجلس كذراع تشريعي لها لا كمؤسسة دستورية لها صلاحياتها ونفوذها في الشان العام

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115