انتهاك حرية التعبير والإعلام بنص المرسوم 54: متى سيُرفع السيف عن رقاب التونسيين؟

أصدرت المحكمة الإبتدائية بتونس يوم امس قرارها بتتبع عميد الأطباء البياطرة أحمد رجب

بحالة سراح في القضية التي رفعها ضدّه وزير الفلاحة على معنى المرسوم 54 الذي استندت اليه النيابة العمومية يوم الاثنين الفارط لاصدار قرارها بإيقاف عميد البياطرة.

ساعات امضاها الرجل في الايقاف التحفظى على خلفية تصريحات نشرت في مقال صادر في عدد الاثنين الفارط للزميلة «الصحافة» تحدث فيها عن الخلاف الدائر بين الوزارة والعمادة بشان مقدار المنحة المالية التي تقدمها الوزارة للبياطرة العاملين في القطاع الخاص نظير تقديمهم لخدمة تلقيح القطيع الحيواني في اطار ما يعرف بالتوكيل الصحي.

خلاف بين جسم وسيط يمثل الاطباء البياطرة وسلطة الاشراف المتمثلة في وزارة الفلاحة انتقل فجأة الى التقاضي بالاستناد الى المرسوم 54 الذي وصفه الوزير ضمنيا بانه القانون الذي يجب ان ينضبط اليه الجميع وذلك في معرض رده على اسئلة نواب الشعب في الجلسة العامة ليوم الثلاثاء الفارط، والتي اشار فيها الوزير الى ان التفاوض بينه وبين العمادة انسدت آفاقه.

هذه الازمة التي باتت قضية راي عام بعد ان احتُفظ بعميد الاطباء البياطرة لمدة يومين قبل ان يطلق سراحه على ان يستمر التتبع القضائي، اعادت تسيط الضوء على الخطر الذي بات يمثله المرسوم 54 على حرية التعبير والصحافة في تونس، فعميد الاطباء الذي وجهت اليه اتهامات بنشر اخبار كاذبة ونسبة امر غير صحيح لموظف عمومي، كانت غايته الدفاع عن مصالح منظوريه وحقوقهم الاقتصادية بالاضافة الى التحذير من خطر عدم تلقيح قطيع الماشية في تونس وما قد ينجر عن ذلك من مخاطر صحية، وهذا ما سيحدد القضاء مدى صحته.

ما حصل للعميد كشف عن مدى الخطر الذي قد ينجر عن توظيف المرسوم 54 لمنع انتقاد السلطة او تقديم رواية مختلفة عن رواياتها للاحداث او المفاوضات بينها وبين النقابات او المنظمات القطاعية او غيرها من الاجسام الوسيطة، وفي ذلك اشارة الى خطورة ما بلغه التضييق في المشهد التونسي.

الاستناد الى المرسوم 54 رغم كل الانتقادات والمطالبات بسحبه او تعديله خاصة بعد تعرض 50 تونسيا على الاقل للملاحقة على معاني فصوله التي تتضمن تسليط عقوبة سجنية مشددة في جنح كان المرسوم عدد 115 يعالجها في اطار مقاربة مختلفة كليا لا تتضمن العقاب الجسدي.

مرسوم صدر في 13 من سبتمبر 2022 ووقع تفعيله مباشرة من قبل السلطة التنفيذية لملاحقة منتقديها او النشطاء في الحقل السياسي او الجمعياتي والصحفيين على معنى الفصل 24 من المرسوم الذي ينص في فقرته الاولى على انه «يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات الاتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان».

فالفصل بموجبه تمت ملاحقة العشرات من الصحفيين والمدونيين وقد صدرت في حق بعضهم احكام سجنية على خلفية مقالات اوتدوينات او تصريحات حملت نقدا لاذعا للسلطة التنفيذية او من يمثلها وأصبح اليوم معتمدا ضد ممثلي القطاعات على غرار عميد البياطرة جراء خلاف بينه وبين الوزارة كان يفترض ان يعالج بالحوار والتفاوض للوصول الى حل، لا بالتصعيد والذهاب الى التقاضي بتهم تستند الى المرسوم.

ما تكشفه هذه الخطوة من قبل السلطة واستجابة النيابة العمومية لمثل هذه الشكايات بسرعة يبين اليوم ان المرسوم لا يهدف -كما اعلنت السلطة عن ذلك- الى التصدي للجرائم الالكترونية او حملات التشويه او بث الاشاعات بل الى ملاحقة كل من يخالف السلطة وذلك تمش قد يفهم منه سعي من السلطة الى احكام قبضتها على الفضاءات العامة والسيطرة عليها بما يتناسب مع مصالحها.

وضعية يبدو انها اثارت حفيظة جل التونسين الفاعلين في الشان العام، فبعد سلسلة البيانات الصادرة عن الاحزاب والمنظمات والمطالبة بمراجعة او سحب المرسوم، التحق نواب البرلمان بصف المنتقدين للمرسوم بطرح مبادرة تشريعية لتنقيحه والغاء الفصل 24 منه وتعويضه بما ورد في المرسوم عدد115 في كل ما يتعلق بقضايا الرأي والتعبير.

سعي السلطة التشريعية الى تعديل نص المرسوم بات متأكدا اليوم بما انه سيف على رقاب كل تونسي وتونسية يمكن ان يطالهم لمجرد الاختلاف مع السلطة.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115