على الساعة الواحدة بتوقيت تونس قرارها بشأن إمكانية فرض إجراءات طارئة ضد الاحتلال لتعليق حربه على غزة وفق الطلب العاجل الذي تقدمت به جنوب أفريقيا، ونحن أمام لحظة فارقة في مسار الحرب وفي المشهدين الدولي والإقليمي، ذلك أنّ الإجراءات التمهيدية التي سيعلن عنها ـ لا تعنى ان المحكمة ستمضي قدما في أصل القضية من عدمها، كما انه لا تأثير لها على القرار النهائي للمحكمة في أصل النزاع وهو «الابادة الجماعية». لكن الأهمية تكمن في الافق الذي سترسمه للحرب وللمنتظم الدولي، مهما كان مضمونها بالاستجابة لطلب جنوب افريقيا وإصدار قرار بوقف إطلاق النار أو ان يكون الإجراء عبارة عن دعوة الاحتلال إلى الامتناع عن أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع القانوني او غير ذلك من الإجراءات التي لا تمنع عمليات الإبادة والقتل الممنهج، اي ان اهمية القرار لا تتضمن وقف الحرب من عدمه بل على الفرضيات التي يطرحها على المشهد الفلسطيني والإقليمي والدولي، فإذا أصدرت المحكمة قرارها وكان مضمونه الوقف الفوري لاطلاق النار وإدخال المساعدات الى قطاع غزة سيكون ذلك أول قرار من نوعه ضد الاحتلال والقوى الغربية الكبرى الداعمة له.
قرار سيضاعف من حرج الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، التي دعمت الاحتلال سياسيا وعسكريا في حربه الراهنة على قطاع غزة ـ رغم بعض التعديل الذي شهدته مواقفها في الاسابيع الاخيرةـ اذ ستكون أمام امتحان التصويت على القرار في مجلس الأمن فاذا رفعت اي منها «الفيتو» ضد هذا القرار فان ذلك سيعلن عن بداية انهيار الامم المتحدة ومؤسساتها التي قامت على فكرة ضمان الامن والعدل الدوليين ويرسخ الصورة الراهنة بان المنتظم الدولي لا يخدم الا مصلحة الدول الكبرى خاصة تلك التي اسسته.
مخاطر التصويت بـ«لا» على قرار المحكمة اذا دعا صراحة الى ايقاف الحرب سيمهد الى انهيار المنتظم الدولي الراهن بل إلى الانفجار في المنطقة التي تعتبر بعض اطرافها ان خيارات الدول الغربية الكبرى إعلان صريح بأن «الشرعية الدولية» لا تخدم الا مصالح الاقوى ولا تحقق لشعوب المنطقة او غيرها الخير او العدل، وأولى ضحايا تداعيات هذا الانهيار السلطة الفلسطينية التي سيسقط رهانها على «الشرعية الدولية» لتحقيق مطالبها في إقامة دولة فلسطينية.
الفرضية الراهنة بإصدار المحكمة قرارا بوقف الحرب يقع اسقاطه من قبل الدول الغربية الثلاث في مجلس الأمن او تفقده معناه مخاتلة سياسية تحول دون تنفيذه حتى وان تمت المصادقة عليه، واذا حصل ذلك سيضع المؤسسات الأممية التي أنشأتها الدول الغربية في مأزق حقيقي وينسف البنية التحتية لحقوق الإنسان التي سيكتمل انهيارها لتصبح مجرد مؤسسات تخدم نظاما عنصريا وطبقيا دوليا لا حقوق فيه إلا للمجتمعات البيضاء.
مأزق لا مخرج منه الا بتنفيذ قرار المحكمة من قبل مجلس الامن وإلزام الاحتلال به والضغط عليه لتنفيذه، وهنا يكمن التحدي الفعلي للمنتظم الأممي، فهل سيكون قادرا على حماية ما تبقى من مصداقيته التي تآكلت منذ بداية الحرب على غزة؟ نفس الأمر للدول العربية التي ستجد نفسها قد فقدت كل الحجج والمبررات بعدم اتخاذ اي موقف فعلي لحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه.