على هامش التفكير في «الحزام السياسي» حول حكومة الشاهد: القواعد المنسية للأحزاب السياسية

قبل الحديث عن حزام داعم لحكومة الشاهد ، يجدرالتذكير بأنه يفترض أن تكون الأحزاب السياسية المطالبة بالدعم عارفة بحاجيات الشعب و على صلة مباشرة به ، و عارفة بأوضاع الدولة و ما بقي لها من رصيد شعبي يمكن أن تعوّل عليه لتكون فاعلة.

و لكن كي تكون الأحزاب فاعلة فإنها مطالبة بتركيز هياكل ناجعة في تنظيمها معتمدة التنظيم الهرمي في التواصل بدءا من القاعدة ونهاية بالقمة ، باعتماد آلية الانتخاب في كل المستويات ،وهو ما كانت تعتمده الاحزاب التقليدية ،و كان يعتمده الحزب الحر الدستوري التونسي و من بعده حزب التجمع الديمقراطي المنحل ، و هو تنظيم هيكلي تمّ نقله عن الأحزاب الشيوعية في الأنظمة الأحادية المطبقة للديمقراطية المركزية بحيث ينطلق العمل السياسي من الخلية ليصل إلى المكتب السياسي و يكون على رأس الهرم «الزعيم» الّذي يترأس الدولة ويجمع غالبا أوسع السلطات.

بهذا كان بورقيبة يحكم ، ويرفع راية الإتصال المباشر شعارا دائما، و هو ما ولّد تاريخيا «سلطات» العمدة ورئيس الشعبة الترابية و وصل الأمر إلى بعث الشعب المهنية و الخلايا القطاعية ، لحبك النسيج الحزبي والإداري على حد سواء، لتكون « الآذان والعيون » مسيطرة على المشهد السياسي ، و مساعدة على التحكّم في عصب العمليات الإنتخابية و مراقبة المعارضين و عارفة بحاجيات كل مواطن وكل المعطيات الحقيقية عن الأفراد .و بذلك تواصل حكم البلاد خمس و خمسين سنة .
كل هذا القول ليس لتمجيد تنظيم الماضي ولكن للتذكير فقط بآلية التنظيم الحزبي و للهيكلة الّتي كانت فاعلة في الحياة السياسية ، وللمقارنة بواقع التنظيمات الحزبية اليوم .

إن أقل ما يُنتظر من أحزاب الإئتلاف الحاكم سواء كان ذلك تحت يافطة الإئتلاف الحاكم أو حكومة وحدة وطنية أن تكون مهيكلة كما يجب ومالكة لقنوات الإتصال المباشر بالناخبين و بكل أفراد الشعب في كل الجهات و على كل المستويات وعارفة بأوضاعهم و منصتة لإنتظاراتهم وذلك لضمان تفاعلهم إيجابيا مع مشاريعهم و دعواتهم إذا لزم الأمر ذلك.

وبالتّالي يصعب الحديث عن حزام داعم لحكومة الشاهد دون التأكّد من «متانة» هذا الحزام وجدواه في النسيج الشعبي و قدرته على تأطير مختلف القوى الفاعلة في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال.

فباستثناء الأحزاب و التنظيمات و التشكلات ذات المرجعيات الإسلامية و في مقدّمتها حركة النهضة ،الّتي بقيت تستغل المساجد و التظاهرات والحلقات والمناسبات الدينية في التأطير والإستقطاب فإن بقية الأحزاب تبقى مطالبة بالتعويل على هياكلها و قدراتها الذاتية في التواصل المباشر رغم ما توفّره وسائل الإعلام و الوسائط الحديثة للاتصال من إمكانيات التخاطب مع أوسع فئات الشعب .

كل شيء بقي يدور في دوائر النخب والحلقات المقرّبة منها ،بالرغم من أن الأحزاب ذات المرجعيات اليسارية خبرت قبل غيرها أهمية التنظيم و بنت مرجعيات شعاراتها على الطبقات الضعيفة والمهمّشة و حملت راية الدفاع عن العمّال وصغار الفلاحين و البروليتاريا و كيفية تحويلها إلى قوّة فاعلة لبلوغ دفة الحكم.

هذه الأحزاب و غيرها من الأحزاب ذات التوجهات الليبرالية او الإشتراكية أو القومية ، بقيت تدور في نطاق حلقة النخب و العمل على التأثير على سلطة القرار أو المشاركة فيه ، و إستغلال الأحداث والمناسبات و منابر «العراك» للتعبير عن وجودها دون النفاذ الفعلي إلى القواعد الشعبية لذلك كانت نتائجها محدودة أو كارثية في الانتخابات . و لعّل الاستثناء الوحيد الّذي كشف بوادر جديدة في توجهات اليسار الخط ّ الّذي كان الشهيد شكري بلعيد سيفتحه في منهجية العمل الشعبي .

إن ما تحقّق لحزب نداء تونس من فوز كان في جانب كبير منه نتيجة ردود فعل الخوف من «غول» حزب النهضة الّذي إستغل حسن تنظيمه في المعارضة «المشتتة « ليلهف أول نجاح في الإنتخابات بتشكيل حكومة الترويكا، و ليبادر بالعمل بكل الطرق على تفكيك كل المنظومة القديمة بإيجابيات بعضها أو بسلبية البعض الآخر.

و لكن حزب نداء تونس الأغلبي لم يبادر منذ البداية بتنظيم هياكله و بوضع الآليات الحزبية الأساسية الّتي تحافظ على بناء الحزب ، لذلك هزته الصراعات في قيادات الحزب و في كوادره العليا بسرعة و في ظرف وجيز ،و هو ما تسبّب في ترك القواعد لمصيرها و إنقطاع الحبل الرابط بين القاعدة و القمّة . و رغم تفطن القيادات إلى أهمية الهياكل الجهوية وسعي كل طرف إلى جلب المسؤولين فيها لصفّه ، فإنه لم يقع النفاذ إلى القواعد الأساسية الّتي لم يعد لبعضها وجود في بعض الجهات والمناطق الصغرى والقرى والأرياف.
هذا الوضع غيّب السند الحزبي القاعدي و خلق فراغا في كل المواقع وقع إستغلال بعضه من أطراف أخرى و بقي البعض الآخر على حاله.

و قد يكون حزب مشروع تونس الّذي خرج من رحم النداء ، قد تفطّن إلى أهمية الهيكلة ، فبادر بعقد مؤتمره و اتجه نحو استعادة النمط الكلاسيكي في التنظيم لبناء حزب قادر على التعبئة و الإستقطاب،و هو ما قد يمهّد له بأن يشكّل قطبا في الإئتلافات الّتي قد تتشكّل في المستقبل لبعث جبهة واسعة إذا ما كتب لها التشكّل ،و لكن بشرط أن يتجاوز أمراض الزعماتية و القفز على المراحل.

إن السعي إلى البحث عن آليات خلق حزام داعم لحكومة الشاهد ، كان من المفروض التفكير فيه قبل تعيين الشاهد و بمناسبة إعداد وثيقة قرطاج ، و قد وقع التنبيه إلى هذا الأمر في أكثر من مناسبة و لكن يحصل دائما تقديم المؤخر و تأخير المقدم في مجابهة تحديات المستقبل .و حتى لا يتكرّر نفس الخطأ يجدر التفكير في فاعلية الحزام و جدواه قبل البحث عن تشكيله ، لأن التشكل الفوقي المنعزل عن القاعدة المعنية بالمشروع «الإصلاحي» مآله الفشل وفي ذلك «خسارة للكل في الكل».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115