حقائق حول التفاوت الجهوي في تونس

أصدرت وزارة المالية ضمن ملاحق قانون المالية لسنة 2024

تقريرا حول التوزيع الجهوي للاستثمار وذلك وفق مقتضيات القانون الاساسي الصادر سنة 2019 الذي يوجب على وزارة المالية اصدار جملة من الملاحق مع كل مشروع قانون مالية تتعلق اساسا بوضعية المؤسسات العمومية والامتيازات الجبائية والعلاقة بين القطاعين العام والخاص وغيرها من ضمنها هذا التقرير موضوع افتتاحيتنا اليوم وهذا كما ترون من فضائل «العشرية السوداء» علينا.

يعرض هذا التقرير معطيات مهمة للغاية حول اهم المؤشرات التنموية في الولايات ليحدّث مؤشر التنمية لسنة 2021.. ومؤشر التنمية هو «مؤشر تأليفي(..) يحتوي على ما يقارب 100 متغير» وقد كانت التجربة الاولى سنة 2012 ثم سنوات 2015 و2018 وأخيرا 2021 حيث نجد ترتيب الولايات الاربعة والعشرين وفق هذا المؤشر التأليفي.

الملاحظة الابرز هي تراجع هذا المؤشر بالنسبة لكل ولايات الجمهورية من 2015 الى 2021 ويعزى هذا بالأساس الى ازمة الكوفيد ونجد تراجعا شمل جلّ ولايات الجمهورية من 2015 الى 2018 بما يدل على أن المنحى التنازلي لا يفسر فقط بسنة الكوفيد ولكن رغم أن هذه الاخيرة عمقت الفقر والهشاشة في شرائح هامة في المجتمع التونسي.

يتكون خماسي الطليعة من ولايات تونس وبن عروس والمنستير وسوسة وأريانة، اي ثلاث ولايات من تونس الكبرى وولايتين من الساحل مع التنويه الى فقدان أريانة للرتبة الثانية.

ويتكون الخماسي الثاني من ولايات نابل ومنوبة ومدنين وصفاقس وقابس، والملاحظ ان هذه الولايات العشر تضاف إليها بنزرت صاحبة المرتبة الحادية عشرة كلها ولايات الساحل الشرقي للجمهورية والاستثناء الوحيد هنا ولاية المهدية التي تحتل المرتبة السابعة عشرة.

إذا كان مؤشر التنمية الجهوية يتجاوز 0.5 بالنسبة للولايات الخمسة الاولى فإنه دون 0.4 بالنسبة للولايات الأربع الأخيرة: جندوبة وسيدي بوزيد والقيروان والقصرين، هنا للأسف الشديد كذلك لا جديد يعاد، إذ يتضح للجميع أن ولايات الوسط الغربي تحتل لوحدها المراتب الثلاث الأخيرة، أما ولايات الشمال الغربي فترتيبها كالتالي: الكاف (14) وباجة (18) وسليانة (20) وجندوبة (21) بالتالي خارطة التنمية في تونس تكون كالتالي: تونس الكبرى والشمال الشرقي (باستثناء زغوان) والوسط الشرقي (باستثناء المهدية) في المقدمة والوسط الغربي والشمال الغربي في المؤخرة وتتوسط هذه وتلك ولايات الجنوب الست تضاف إليها المهدية وزغوان.

في الحقيقة هذا هو واقع التفاوت الجهوي منذ عقود طويلة ان لم نقل منذ القرون الثلاثة الاخيرة على الاقل مع تغييرات طفيفة عمقتها دولة الاستقلال.

هنالك مؤشر ثان مهم للغاية نجده في هذا التقرير وهو الجاذبية السكانية (المناطق التي يرغب الناس في السكن فيها من عدمها) والجاذبية الإنتاجية (جاذبية العمل ).

من أصل 264 معتمدية (لا وجود لمعطيات مرقمة حول المعتمديات الجديدة) هنالك 50 معتمدية ذات جاذبية إنتاجية عالية و79 معتمدية ذات جاذبية سكنية مرتفعة ونجد ان هنالك 46 معتمدية أي %17 مكن مجموع معتمديات البلاد يتوفر فيها الأمران معا بينما تكون هاتين الجاذبيتين ضعيفة في نفس الوقت في 86 معتمدية (%33 من المجموع العام ).

يقول لنا التقرير أنه بين سنتي 2016 و2023 تم استثمار حوالي 76 مليار دينار منها 25 مليار دينار استثمارات عمومية و51 مليار دينار في القطاع الخاص، وتقتصر %64 من استثمارات القطاع الخاص فقط على ثماني ولايات (المنستير ونابل وتونس وبن عروس وسوسة وصفاقس وبنزرت والمهدية) لأسباب واضحة: توفر البنية التحتية واليد العاملة المختصة والمرافق الإدارية والجودة النسبية لنوعية الحياة بما يفيد ان التفاوت الاقتصادي ومن ثمة الاجتماعي بصدد التعمق بفعل أن الاستثمار الخاص، رغم كل الحوافز، يتجه بالأساس نحو المناطق الساحلية ومع أن هذه الولايات الثماني لا تحظى إلا بحوالي %40 من الاستثمار العمومي الا أن ذلك غير كاف بالمرة لتعديل الكفة. بعد هذا التشخيص ما هو الحلّ الذي تقترحه الدولة؟ لم نجد شيئا يذكر سوى التذكير بالمبادئ العامة وبأهداف المخطط (غير المحقبة وغير المرقمة) والحال ان هذا التشخيص يفرض علينا حلا واحدا: صدمة استثمارية (كما يقول رجل الاقتصاد حكيم بن حمودة ) تستهدف لمدة طويلة كل الولايات الأقل حظّا في النمو وفي التنمية وهذه الاستثمارات الضخمة لا يمكن أن تكون إلا في اطار شراكة قوية مع القطاع الخاص والعمل على تقوية كل عناصر الجاذبية من جودة الحياة وبنى تحتية وأقطاب علمية وتكنولوجية تخلق التميّز والتفوق.

في الاثناء نواصل التنديد بالحيف الذي يطال مناطق عدة في بلادنا ولكننا لا نفعل شيئا يذكر للحدّ منه بمزيد خلق الثروة لا بمزيد تعميم الفقر.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115