زيــاد الهاني

لم يدر بخلدنا يوما ما اننا سنخصص افتتاحيتين وغلافين

لصحفي تونسي في علاقة بعمله اليومي لأن الصحفي -مهما ذاع صبته- ليس نجما ولا فاعلا سياسيا ولا كذلك صانعا للرأي العام.. الصحفي عندنا هو دوما في خدمة الخبر تمحيصا وتدقيقا وتعليقا، والزميل زياد الهاني هو من هذه الطينة الأصيلة في المهنة، لذا لم نكن نتصور ان يتحوّل من صانع للخبر الى موضوع له وفي مناسبتين متقاربتين جدا، في الاولى تم الاحتفاظ به ثم اطلاق سراحه وفي هذه الثانية والاخيرة سيحال على المحكمة يوم 10جانفي الجاري وهو رهن الايقاف، فالايداع بالسجن منذ يوم الخميس 27 ديسمبر من السنة التي ودعناها غير مأسوف عليها.

ما حصل لزياد الهاني يلخص لوحده الوضعية العامة لبلادنا اليوم، يوم الخميس 27 ديسمبر صباحا يعلق الزميل زياد الهاني على أمواج اذاعة (ifm على خبر يتعلق بتعطيلات إدارية تعرض لها باعث تونسي في ولاية سليانة وأرجع ذلك الى تلكؤ وزارة التجارة وعدم تجاوبها مع الموضوع رغم مراسلات والي الجهة ليطالب رئيس الدولة بتعويضها مستعملا العبارة التونسية الشهيرة «بدّل الكازي» وبعد سويعات قليلة وجد زياد نفسه في حالة احتفاظ بيومين ثم وقع تمديد الاحتفاظ به بيومين اضافيين، فايداع بالسجن فجلسة محكمة عيّنت يوم الأربعاء 10جانفي.

لقد ثار جدل حاد على صفحات التواصل الاجتماعي حول لفظة «الكازي» واصلها وفصلها ومعناها وسياقها ولكن الاساسي لا علاقة له البتة بهذه «الفيلولوجيا» الفايسبوكية. كما لا يهم اليوم معرفة هل اخطأ زياد الهاني ام لم يخطئ في استعماله لهذه المفردة فدلالات ما حصل أهم بكثير من كل هذه المشاغل..

نحن امام «طبقة» سياسية جديدة ترفض التواصل مع كل وسائل الاعلام الا عندما تكون في وضع مريح ودون اي نوع من انواع المساءلة ولكنها مع ذلك تخشى من هذا الاعلام والذي دجّن في جزء كبير منه، ثم هي تعتبر كل نقد او انتقاد او حتى تجريح وكأنه هدم للدولة و«ترذيل» لرموزها فتلجأ الى القضاء وتجد بالطبع استجابة حينية فيتم التعامل القضائي والأمني مع الصحفي او الناشط السياسي أو الحقوقي تحت شعار «حتى حد ما فوق راسو ريشة» والحال ان الحياة السياسية العادية كانت تقتضي بداية ألا يقاطع الحكام وسائل الاعلام وثانيا ان يطلب كل من يريد حق الرد وأن يجيب عن المسائل التفصيلية المطروحة عليه وفي الحالات القصوى لو رأى انه تم ثلبه وضاق صدره بذلك و«المفروض في كل سياسي سعة الصدر خاصة اذا كان في الحكم» أن يتجه للقضاء..

والقضاء المنشغل بمئات آلاف القضايا ينظر في الشكوى في وقت معقول وان يحاكم قضايا التعبير وفق الاطار القانوني الخاص أي وفق المرسومين 115 و116 لا وفق المجلة الجزائية او مجلة الاتصالات أوالمرسوم 54 واذا ما ثبت لديه فعلا جريمة الاساءة تكون العقوبة بتخطئة صاحبها وتسليط عقوبة مالية عليه.

هذا هو العادي وفي الحالات القصوى فقط اما ان يصبح كل نقد او انتقاد محل تتبع قضائي بالقوة فهذا دليل اضافي على اننا نسير في الطريق الخطإ وبأقصى سرعة وزياد الهاني ليس حلة شاذة في هذا السياق، فالصحفيون الذين تم تتبعهم خاصة بعد المرسوم 54 يتجاوز عددهم العشرين، بعضهم في السجن (خليفة القاسمي نموذجا وفق قانون الإرهاب حوكم بخمس سنوات سجنا من أجل خبر استقاه من مصدر أمني) وبعضهم فتحت ضدهم تحقيقات لم تغلق الى حدّ اليوم (محمد بوغلاب ومنية العرفاوي والعديد من الزميلات والزملاء الآخرين) وكل هذا رغم التدجين الكبير لجل وسائل الاعلام إما بحكم الخوف أو في اطار «التناغم» الطبيعي مع السلطة.

سيقول بعضهم «كفانا ترذيلا» للدولة ولرموزها ولكن نفس هذه الأصوات قد قالت في من كانوا رموزا كذلك للدولة ما لم يقله مالك في الخمر من تشويه وتخوين دون ان ينالهم شيء رغم الشكايات العديدة التي قدمت ضدّهم.

صحيح ان هذا الثلب والنيل من الكرامة قد حصل بعد خروج المعنيين بهذه الاساءات من سدّة الحكم...

نحن بصدد هدم منهجي لما اعتبرناه يوما ما مكسبا لا يمكن التراجع عنه.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115