فالإجماع قائم في البلاد على ضرورة استحثاث وتيرة الاستثمارات العمومية والخاصة لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمشاريع المهيكلة للنمو في مختلف الجهات والقطاعات... والإجماع قائم أيضا على ضرورة اتخاذ إجراءات استثنائية حتى نخرج من الرتابة الإدارية العادية والتي لم تعد تتلاءم البتة مع التحديات التي نعيشها اليوم...
ولكن بين هذا التوصيف الإجماعي وبين مشروع الحكومة في نسخته الثالثة، هنالك مسائل خلافية كبرى وتخوفات من أن يؤدي التسريع إلى التسرع وإلى تسرب عدوى الفساد والمحسوبية...
لنتفق منذ البداية بأن الإجراءات الإدارية الحالية ليست هي سبب تعطل سير إنجاز المشاريع العمومية والخاصة والدليل على ذلك أننا حافظنا على نفس ترسانة الإجراءات خلال العقدين الأخيرين تقريبا ولم يكن هنالك تعطيل في الإنجاز والسبب واضح للعيان إذ رغم الفاصل الزمني بين الإجراءات الإدارية والإنجاز الفعلي للمشاريع فالاقتصاد لم يكن متضررا من ذلك بحكم إنسيابية المسارين معا فما ينجز اليوم قد دخل مجال الإجراءات منذ سنة، على سبيل المثال، وما سينجز بعد ستة أشهر قد دخل في مجال الإجراءات منذ ستة أشهر وهكذا دواليك... ولكن تعطل هذه الانسيابية بين الإجراءات الإدارية والإنجاز الفعلي هو الذي طرح مسألة التسريع بهذه الحدة غير المسبوقة... وجزء هام من هذا التعطيل الحاصل بعد الثورة والذي لم تتمكن كل الحكومات المتعاقبة على البلاد من التخلص منه هو جهل عديد الوزراء ومستشاريهم بالإجراءات والتراتيب الإدارية للإدارة التونسية فاصطدموا بترسانة من النصوص القانونية والترتيبية وعجزوا عن التأقلم معها أو تطويرها وتحسينها فألقوا باللائمة على «الإدارة» ورتابتها القاتلة وأضحت ملفاتهم تتقاذفها مصالح إدارية مختلفة دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ.. إلى هذا نضيف ضعف أداء الإدارة الجهوية والمحلية فراكمنا التعطيل على التعطيل...
ولكن هل توفقت الحكومة إلى الحل الأنسب؟ يجوز لنا أن نشك في هذا لا سيما وأنها قدمت خلال ثلاثة أسابيع فقط مشروعين متناقضين إلى لجنة المالية (تم سحب الأول) وحتى المشروع الثاني فلقد قدّمت له نسختين مختلفتين مما يدل على بعض الارتباك وعدم الحسم الواضح في اختيارات أساسية...
المشروع الأول للحكومة المقدم يوم 5 سبتمبر إلى مجلس نواب الشعب احتوى على 4 فصول فقط وكانت فلسفته تقوم على إضافة بعض النقاط إلى قانونين سابقين:
- نقطتان للقانون المتعلق باللزمات بغية تمكين الدولة من التفاوض المباشر عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الكبرى ذات الأولوية الوطنية والتي ستضبطها رئاسة الحكومة في قائمة تفصيلية جامعة.
- نقطة لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
بينما خصص الفصل الثالث لتغيير صبغة الأراضي....