أنا اليوم حيّ أرزق وأحمد الله وأشكر الأطبّاء على ما أنا فيه من صحّة. أنا اليوم حيّ رغم أنف المرض وما كان أراده السرطان من نهاية العمر. أنا أحيا والدليل ما أنا أفعل. ها أنا أكتب وبقلمي أصنع القول وأنشر في الناس ما أرى وما أعتقد... الكتابة هي الدليل على الحياة. الكتابة هي البرهان على أنّنا نعيش والدليل على أنّنا عمّرنا الأرض... أمّا سوى ذلك من العلامات الأخرى فهي، في نظري، باهتة، لا ضوء فيها ولا أثر... في ما مضى، كنت والكثير من الناس حولي نجمع مالا نكدّسه، نبني البيوت في كلّ أرض، أشكالا، نأتي البنين حتّى نفتخر بهم ويرثوا. كنت والكثير من حولي نريد الجاه والنفوذ في الدنيا ونسعى حتّى نكسب الأجر الأفضل ونرتقي إلى أفضل الوظائف. كنّا نفعل الخير والشرّ حتّى نتألّق ونرى ويهابنا الناس ويقول الناس فينا قولا كثيرا. كذلك يتباهى اليوم أهل السياسة وأهل المال وغيرهم ممّن «سطع» في الأرض نجمه وما هو بساطع بل هو سراب منسيّ. كل هذا في نظري زينة وبهرج. الكتابة، يعلم الناس، هي الأبقى وبالكتابة نحيا ونتواصل...
إلى متى سأظلّ في البيت، أختفي؟ إلى متى سأظل في هذا السكون المطبق وفي السكون المطبق موت يدبّ، موت اجتماعي. أنا أحبّ السكون والعيش منفردا لما ألقى في الناس من عسر وفي الجسم من وجع... يجب أن أنتهي مع المرض ومن هذا التفرّد. يجب أن لا أخاف الناس وان فسدوا. يجب أن أتجاوز ما أنا فيه من مرض. يجب أن أكتب وأقول ما في القلب من يأس ومن أمل، من حقّ ومن باطل. يجب أن أعود إلى جريدة «المغرب»، أن أكتب في ما أرى، أن ألتقي مع الناس، أن أصنع كلاما ولا يهمّني ان جاء كلامي نافعا أو غير نافع.. ما من شكّ ما سوف أكتب هو نافع لي. ها أنا أقضي ساعة وساعة أرسم الكلمات، أختار من المفردات ما شئت لأقول ما أرى وأخطّ هذا الذي الآن بين يديك. منذ ساعة أو ساعتين، نسيت المرض وما في المرض من نكد ومن ألم. منذ ساعة أو ساعتين أنا أثبت أنّي حيّ، موجود. ها أنا أقول للقرّاء ما شئت من القول. ها أنا أقول للعالم حولي أنّي هنا، أنّي كائن، ناشط، مساهم. أنا أكتب لإثبات الأنا. أنا أكتب إليّ أولا والى القرّاء ثانيا. أكتب لأحيا، لأروّح عن النفس، لأنسى، لأقول لنفسي أنّي موجود، أنّي أفكّر، أنّ لي رأي وموقف. أمّا القرّاء، فأرجو أن يعجبهم ما كتبت من كلم وأن يواصلوا القول على قولي والتعليق بما شاؤوا من تعليق وأن يشرعوا بدورهم في كتابة ما ابتغوا من كتابة... إن الكتابة حقّ مشروع يأتيه الناس جميعا ولا فضل فيها للواحد على الآخر.