حديث الأنا: الكتابة هي الحياة

ها أنا أعود. ها أنا أعود إلى القلم. أجرّه طولا وعرضا على الورق. أدفع به حيث شئت وكما شئت... القلم هو الحياة. أن تكتب وتقول في الناس ما ترى وما تحمل فأنت كذلك تحيا. الكتابة هي الحياة. أنا اليوم أحيا. أرسم في الورق ما أردت من كلم. ها أنا أنفخ في الناس ما يحمل فؤادي من فكر ومن نظر ومن وجع أيضا...

ها أنا أعود إلى «المغرب» لأكتب. لا يهم ما سوف أكتب. قد أكتب سخافة. قد آتي فكرا نيّرا. قد أقول ترّهات لا تنفع. قد لا أصدق في القول. قد أبوح بما في الأحشاء من وجع... كلّ هذا لا يهم... المهمّ هو أن تأخذ القلم وتكتب، أن تصنع كلاما، أن تشارك الناس في ما هم فيه من زهو ومن كدر، في ما هم فيه من تفاهات ومن أمر جلل. لا فرق عندي بين النير من الفكر وبين ما في الفكر من ظلمة. لا فرق عندي بين الحقيقة والباطل، بين سخيف الكلام وثقيله. هو دوما فكر، كما أتاه صاحبه وبما كتب صاحبه أرى إرادة للحياة تجري، تنبعث... المهم يا أخي هو أن نكتب، أن نقول ما نرى، أن نشارك الناس في ما حملوا. الكتابة خيط جامع. به تصل وتتّصل وبه تكون وتتأسّس...

أنا اليوم حيّ أرزق وأحمد الله وأشكر الأطبّاء على ما أنا فيه من صحّة. أنا اليوم حيّ رغم أنف المرض وما كان أراده السرطان من نهاية العمر. أنا أحيا والدليل ما أنا أفعل. ها أنا أكتب وبقلمي أصنع القول وأنشر في الناس ما أرى وما أعتقد... الكتابة هي الدليل على الحياة. الكتابة هي البرهان على أنّنا نعيش والدليل على أنّنا عمّرنا الأرض... أمّا سوى ذلك من العلامات الأخرى فهي، في نظري، باهتة، لا ضوء فيها ولا أثر... في ما مضى، كنت والكثير من الناس حولي نجمع مالا نكدّسه، نبني البيوت في كلّ أرض، أشكالا، نأتي البنين حتّى نفتخر بهم ويرثوا. كنت والكثير من حولي نريد الجاه والنفوذ في الدنيا ونسعى حتّى نكسب الأجر الأفضل ونرتقي إلى أفضل الوظائف. كنّا نفعل الخير والشرّ حتّى نتألّق ونرى ويهابنا الناس ويقول الناس فينا قولا كثيرا. كذلك يتباهى اليوم أهل السياسة وأهل المال وغيرهم ممّن «سطع» في الأرض نجمه وما هو بساطع بل هو سراب منسيّ. كل هذا في نظري زينة وبهرج. الكتابة، يعلم الناس، هي الأبقى وبالكتابة نحيا ونتواصل...

إلى متى سأظلّ في البيت، أختفي؟ إلى متى سأظل في هذا السكون المطبق وفي السكون المطبق موت يدبّ، موت اجتماعي. أنا أحبّ السكون والعيش منفردا لما ألقى في الناس من عسر وفي الجسم من وجع... يجب أن أنتهي مع المرض ومن هذا التفرّد. يجب أن لا أخاف الناس وان فسدوا. يجب أن أتجاوز ما أنا فيه من مرض. يجب أن أكتب وأقول ما في القلب من يأس ومن أمل، من حقّ ومن باطل. يجب أن أعود إلى جريدة «المغرب»، أن أكتب في ما أرى، أن ألتقي مع الناس، أن أصنع كلاما ولا يهمّني ان جاء كلامي نافعا أو غير نافع.. ما من شكّ ما سوف أكتب هو نافع لي. ها أنا أقضي ساعة وساعة أرسم الكلمات، أختار من المفردات ما شئت لأقول ما أرى وأخطّ هذا الذي الآن بين يديك. منذ ساعة أو ساعتين، نسيت المرض وما في المرض من نكد ومن ألم. منذ ساعة أو ساعتين أنا أثبت أنّي حيّ، موجود. ها أنا أقول للقرّاء ما شئت من القول. ها أنا أقول للعالم حولي أنّي هنا، أنّي كائن، ناشط، مساهم. أنا أكتب لإثبات الأنا. أنا أكتب إليّ أولا والى القرّاء ثانيا. أكتب لأحيا، لأروّح عن النفس، لأنسى، لأقول لنفسي أنّي موجود، أنّي أفكّر، أنّ لي رأي وموقف. أمّا القرّاء، فأرجو أن يعجبهم ما كتبت من كلم وأن يواصلوا القول على قولي والتعليق بما شاؤوا من تعليق وأن يشرعوا بدورهم في كتابة ما ابتغوا من كتابة... إن الكتابة حقّ مشروع يأتيه الناس جميعا ولا فضل فيها للواحد على الآخر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115