هذه القفزة التي حققها الرجل في ثالث خطاب له منذ كلف برئاسة حكومة الوحدة الوطنية في 3 أوت الجاري، عكسها عنصران، أولهما حسن صياغة خطابه واللعب على مفارقات اللغة الفصحى والعبارات الدارجة دون إغفال عن فتح قوسين والحديث عن بعض النقاط، كان مخططا لها بعناية وفق ما تبرزه وثائق الخطاب.
خطاب ارتكز على الإجابة عما حدث أو كما يحبذ الشاهد القول «أش صار» ليشرح ما حدث في تونس منذ الثورة دون ان يدين الثورة ولو تلميحا او دون قصد بل ثمن الثورة وأهلها ومكاسبها، وعلى عكس غيره لم يعتبر الشاهد ان تثقيل كاهل الدولة بمبالغ مالية طائلة نتيجة الرفع في الاجور بضعفين امر خاطئ او يحدث اشكالا، فهو حق لأصحابه، لكن الاشكال يكمن في عدم اقتران الرفع في الأجور بالإنتاجية.
التحلي ببعض من الجرأة في الكشف عن حقيقة الوضع الصعب، تواصل ليقحم المواطن في ما يحدث من مصاعب في البلاد. ولكنه لم يحمله المسؤولية عن تدهور الوضع وان كان من يدفع الرشوة هو المواطن ومن يلقي الفضلات هو نفسه، وإنما حملت للجميع، طبقة سياسية ومجتمع مدني وإعلام وأجهزة الدولة، وتحميل مسؤولية الوصول الى وضع كارثي صعب يقترن بتحميل الجميع المساهمة في الخروج منه.
الخروج ممكن وان كان صعبا يستوجب التضحيات من اجل تونس، تونس الداخل والجهات المحرومة والمهمشة والشباب، هذا ما حملته كلمة الشاهد التي تراوحت بين الحماسة والهدوء الذي يراد منه عكس قوة الرجل وقدرته على إدارة حكومته في فترة صعبة تحتاج فيها «تونس الى أبنائها» كما يقول في خطابه.
كثيرة هي العبارات المفتاحية في كلمة الشاهد الذي استنجد بأكثر من معجم، الوطنية، الثورية، السياسية، الأخلاقية ومعجم تثمين وتقدير المهمشين الذين اسمعهم ما لم يسمعهم احد من قبل، على غرار كلمته التي خصصها لازمة فسفاط قفصة حينما أقحم عبارة «قطار يغادر بالفسفاط ولا يعود بالتنمية لخمسين سنة».
حسن ترتيب الأفكار وبساطة اللغة المستعملة في الخطاب وإقحام العبارات الدارجة وإضفاء لمحة من العفوية على الخطاب، وجعل الكلمة مرضية للجميع، تحمل امالا للكل وتلبي بعضا من مطالبهم، جعل الشاهد يتجاوز عقبة الكلمات، وهو العنصر الاول في العملية الاتصالية الناجحة.
العنصر الثاني هو لغة الجسد، حركاته وسكناته ونبرة الصوت وطلاقة اللسان، وهنا حقق الشاهد ما كان يبدو صعبا عليه يوم كلف، ليسيطر بالكامل على لغة جسده وليتجنب ان يكون المضمون الذي يستشف من لغة الجسد عكس ما ترسخه الكلمات.
فكان لينا كثير الاستعانة بيده لاضفاء مصداقية على نفسه وعكس صورة المطلع والمدرك لما يقول، او التلويح باصبعه ليبرز كرجل قوي صاحب سلطة وسطوة يامر كما انه يحدد ان الخطاب موجه لمن يقابله.
عند هذه النقطة كان جسد الشاهد يتفاعل مع كلمته ليتناغم مع اتجاه نظره ويجعل الجميع يركز على نقطة وقوفه وهو ماتم لثلاثين دقيقة، سيطر فيها الشاهد على المجلس بخطة اتصالية قد تمثل نموذجا جيدا للدراسة.
عملية الإخراج التي رافقت كلمة يوسف الشاهد في المجلس قد تمكن الرجل من انطلاقة جيدة، ورسم صورة قيادية له لكنها لن تكون كافية، فالشاهد سلط كل الاضواء عليه مما سيجعل اي اخفاق يكون مضاعفا وعدم تحقيق ما تعهد به سيكون كافيا لتصبح كلمته نقمة عليه.