«6حكومات لم تتمكن من تحقيق أهداف الثورة»
أمام 178 نائبا حاضرا في الجلسة العامة، انتقد يوسف الشاهد الحكومات الست التي تحصلت على ثقة نواب الشعب خلال تقديم برنامج حكومته وتركيبتها. واعتبر الشاهد أن كافة الحكومات المتعاقبة منذ الثورة عجزت عن تحقيق جزء كبير من أهداف الثورة وهو ما جعل الأزمة تتعمق يوما بعد يوم. هذه الأزمة انعكست سلبا على طموحات الشباب والمناطق الداخلية والباحثين عن مواطن الشغل، لتتسع هوة انعدام الثقة بين الشعب والسلطة. ودون مقدمات وبصفة مباشرة صارح رئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد مجلس نواب الشعب، مبينا أن تردي الوضع يعود إلى التجاذبات السياسية التي أثرت سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مما عسّر على رجال الأعمال مواصلة الاستثمار بما فيه الكفاية، إلى جانب تقاعس التونسيين في عملهم اليومي مع استفحال الرشوة والمحسوبية. وأضاف أن البلاد تعيش اليوم حالة من انعدام الأخلاق والقيم تسببت في انتشار الفوضى في كافة القطاعات.
نحو اللجوء إلى سياسة التقشف
هذه الأزمة كانت نتيجة التراجع الكبير في إنتاج الفسفاط بنسبة 60 بالمائة، تراجع شمل أيضا قطاع السياحة وقطاع المحروقات ما ساهم في تراجع معدل النمو والتشغيل، دون الحديث عن تقلب الوضع الإقليمي وتنامي ظاهرة الإرهاب. وبالرغم من هذه الأزمة، إلا أنه تم انتداب 112 ألف موظف في الوظيفة العمومية، دون الترفيع في نسبة النمو، مشيرا إلى أن كتلة الأجور قد بلغت 13.4 مليار دينار في ظل تراجع الإنتاج والإنتاجية وارتفاع نفقات الدولة. هذه العوامل حسب الشاهد تسببت في عجز ميزانية الدولة ما أجبر الدولة على الاقتراض، لتدخل بذلك البلاد في دوامة القروض، ولتبلغ المديونية 62 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، إلى جانب استكمال السنة بعجز قيمته 6500 مليون دينار.
رئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد ركز في خطابه على خطورة الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، والذي ستكون له انعكاسات وخيمة وهو ما يجعل الملف الاقتصادي من الأولويات القصوى لحكومة الشاهد، في ظل تراجع العملة الصعبة وتهاوي الدينار الذي ساهم في ارتفاع كلفة الواردات لتكون البلاد مجبرة على البحث عن موارد إضافية ليكون الحل آنذاك في صندوق النقد الدولي. أغلب القطاعات تعاني من عجز وصعوبات مما يجعل الحلول جد صعبة وقد تكون موجعة، باعتبار أن تواصل هذه الأزمة سيجبر الدولة على انتهاج سياسة التقشف خلال السنة المقبلة. سياسة التقشف التي قد تدخل فيها البلاد ستكون لها كذلك انعكاسات على الوضع الاقتصادي والاجتماعي باعتبار أنه سيتم الالتجاء إلى التقليص في المصاريف وتسريح العمّال وإيقاف الاستثمار في التنمية والبنية التحتية والخدمات.
الإطار المناسب لحل الأزمة
بعد استعراض الشاهد للصعوبات وحقيقة الأزمة بخطاب بسيط مع استعمال اللهجة الدارجة دون ورقة جاهزة، الأمر الذي شد اهتمام النواب خصص الجزء الثاني من خطابه لبسط الحلول والإجراءات التي يجب اتخاذها تزامنا مع ما جاء في وثيقة قرطاج. وفي هذا الإطار، أكد يوسف الشاهد أن الجميع مسؤول اليوم أمام هذه الأزمة، لذلك يجب العمل مع كافة الأطياف السياسية لإخراج البلاد من هذه الأزمة. ولهذا تنزلت مبادرة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لتكوين حكومة وحدة وطنية ستكون صمام الأمان والقادرة الوحيدة على مجابهة هذه الأزمة.
بعد تشخيص الوضع العام في البلاد من قبل رئيس الحكومة المكلف، تكمن الحلول على حد تعبيره في إيجاد الإطار المناسب وهي حكومة الوحدة الوطنية، وكذلك إيجاد حلول استثنائية وبرنامج واضح على امتداد السنوات الثلاث القادمة. كما يجب تحويل هذه الحكومة من فكرة إلى ممارسة حقيقية وعقلية تطبق على أرض الواقع في إطار عمل فريق حكومي متجانس. وبين الشاهد أن هذه الحكومة ليست ائتلافا حكوميا بين الأحزاب السياسية باعتبارها ضمت كافة العائلات السياسية.
أولويات حكومة الوحدة الوطنية
بالنسبة لوضع برنامج استثنائي لإيجاد الحلول اللازمة، فإنه يجب التركيز على الخمس النقاط الأساسية والأولويات الموجودة في وثيقة قرطاج. أولها كسب الحرب على الإرهاب وذلك من خلال توفير الضمانات القانونية اللازمة لتوفير الحماية المعنوية والمادية لعائلات وشهداء ضحايا الإرهاب. كما تعهد الشاهد بمراجعة المنظومة التشريعية لحماية الأمنيين وتطوير أداء أجهزة الاستعلامات إلى جانب إحكام التنسيق بين كافة الهياكل الأمنية والعسكرية.
من جهة أخرى جاء المحور الثاني من الإصلاحات المرجوة في مقاومة الفساد من خلال توضيح المهام والصلاحيات لكل من الحكومة وهيئة مكافحة الفساد التي سيتم تدعيم إمكانياتها. وفي هذا الإطار، دعا الشاهد وزارة العدل إلى إيلاء قضايا الفساد الأولوية المطلقة والبت فيها بالإضافة إلى إعداد النصوص القانونية اللازمة، مع تمكين الهيئة من الإمكانيات اللازمة لإحداث قرابة 11 فرعا جهويا.
القضاء على الفساد ومحاربته سيساهم في إنجاح الإصلاحات المتزامنة في التنمية، وذلك من خلال التركيز على محرك العمل والاستثمار والإنتاج. حيث يجب التصدي إلى كافة الاعتصامات اللامشروعة مع الالتزام بحق الإضراب المشروع، مشددا على محاربته لظاهرة التقاعس في الإدارة والقضاء على المجموعات التي تتسبب دوما في غلق المعامل والمصانع. وأضاف الشاهد أن الاستثمار يعتبر مسؤولية مشتركة من خلال تحفيز الاستثمار الوطني وجلب الاستثمار الخارجي، بالإضافة إلى الالتزام بإعداد مشروع قانون يساهم في دفع النمو الاقتصادي. وفي هذا الإطار، دعا الشاهد مجلس نواب الشعب إلى التسريع في المصادقة على مجلة الاستثمار والمخطط الخماسي في اقرب الآجال، والعمل كذلك على تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية.
الميزانية التكميلية الامتحان الأول
هذا وواصل رئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد تعداد الإصلاحات التي ينوي القيام بها على امتداد السنوات الثلاث المقبلة، وأهمها انصب على مكافحة الفساد والنهوض بالقطاع الاقتصادي من خلال اعتبار التصدير أولوية وطنية وانجاز المشاريع الكبرى التي ستساهم في التقليص من الاقتراض الخارجي، مع الالتزام بإصلاح الجباية ومقاومة التهرب الجبائي من خلال تدعيم الإدارة وتمكينها من الآليات اللازمة.
خطاب الشاهد يبدو أنه نال رضا نواب الشعب الذين صفقوا بحرارة عقب الانتهاء من كلمته لما اعتبروه خطابا صريحا رغم خطورته، وستكون حكومة الوحدة الوطنية بعد نيل ثقة المجلس أمام أول امتحان صعب خلال الأيام القليلة القادمة من خلال تقديم مشروع قانون ميزانية تكميلية لسنة 2016 الذي قد يترجم البعض من هذه الإصلاحات كخطوة أولى.