ما انتهى إليه الصيد ، قد يكون في تقديره و في تقدير من إستشار أفضل سبيل كي يظهر منسجما مع المنحى الّذي إختاره في التعامل مع «قرار» التمشي في تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون خارجها . لذلك أراد أن يتمسّك بالدفاع عن نفسه أمام ممثلي الشعب ، ولو كان الأمر متعلّقا بخيارات لم يكن هو الوحيد صاحب القرار فيها ، و قد يكون ذلك بالنسبة له و بالنسبة للمقرّبين منه ، إحدى مقتضيات الدّفاع عن «الكرامة» الّتي كانت إحدى ثمار شعارات جانفي 2011 ، بعد أن شعر بأنّه خُذل من أكثر من طرف .
و في إنتظار معطيات أخرى قد يضيفها السيد الحبيب الصيد في حوار منتظر البارحة في إحدى القنوات التلفزية ، يمكن القول أن مدّة الشهر والنصف الماضية ، شهدت حركة مكثّفة و لكنها كانت في نفس «المربّع» وظلّت تراوح في نفس الموقع دون أن تظهر بوادر جدّية تنبئ بتغيّر منهجي في السياسة المستقبلية ، رغم أن الحوار شمل أطرافا من خارج الرباعي الحاكم ، و رغم الإتفاق على «وثيقة قرطاج» المتضمّنة لأولويات المرحلة القادمة .
و بالرغم من أنّنا لا ننزع إلى «التشاؤم» أو إلى التضخيم أو التهويل ، فإن مبعث القلق ليست الصعوبات و التحديات الّتي تواجهها البلاد ، و إنّما ما يبعث على القلق الحقيقي هو وقوف التونسيين على حقيقة ما تملكه النخبة السياسية من قدرات على التخطيط ،إذ بدت الآفاق ضيّقة ،و لاحت الحلول صعبة بسبب غياب الإرادة الفاعلة و الفعّالة لتجاوز الوضع المتأزّم للبلاد .
و من نتائج ذلك إهدار الكثير من الوقت و المجهودات في البحث عن فنيات «إخراج» للحلول ، أكثر من البحث عن الحلول نفسها ، دون إعتبار للخسائر الّتي تُسجّلُ كل يوم .
فلم يقدّم الصيد استقالته بعد أن ساد الترويج إلى أن هذا الأخير «إداري مُطيع» لن يتوانى في الإستجابة لطلبات من إختاره لقيادة أوّل حكومة في الجمهورية الثانية .و لم يتجاوز حزب نداء تونس الأزمة الّتي دخل فيها ، و لم يقلع حزب النهضة عن المناورة للإستفادة من مختلف «الّأزمات» ،و لم يحزم المعارضون أمرهم بصفة نهائية لطرح بدائل تلقى التأييد والدعم من أوسع الفئات .
كما أن مختلف «المواعيد» الّتي تمّ تحديدها لتشكيل حكومة «الإقلاع الوطني» اصطدمت بعدّة عراقيل لم تكن متوقّعة رغم أنها كانت محتملة كما أكدنا ذلك في مستهل....