عدم حيادها والعدد المهول للملفات المودعة لديها.
طفت من جديد مسالة المصالحة الاقتصادية والمالية على الساحة، فماهي اسبابها؟
بعد جمود منذ خريف 2015 وخاصة على اثر الرأي المصرح به من لجنة البندقية (لجنة أوروبية مختصة في الديمقراطية بالقانون) بتاريخ 16 /10/ 2015، رجع الملف الى الساحة بعد مراجعة رئاسة الجمهورية البعض من نقاط مبادرتها وأرسلتها الى رؤساء الكتل منذ أسبوعين، وزاد النقاش بعد مراجعة ثانية وإيداع الجبهة الشعبية لمشروعها حول تنقيح قانون العدالة الانتقالية.
كما انّ هنالك اتفاقا عاما بما في ذلك النهضة والجبهة حتى في شرح اسباب مبادرتها التي ورد فيها انها تتبنى «الراي الغالب في المجتمع السياسي والمجتمع المدني والمتمثل في معالجة ملف رجال الاعمال بصورة مخصوصة وكذلك في الإسراع في انهائه»، مع العلم أنها اودعته نهاية الأسبوع الفارط.
لكن نلاحظ تغييرا جوهريا تقريبا في موقفك من مبادرة رئاسة الجمهورية؟
لاجدال في كوني أدافع عن منظومة العدالة الانتقالية الواردة في الفصل 148 من الدستور، لكن اعتبر انّ هيئة الحقيقة والكرامة في المقابل لا تشكل هيكلا دستوريا وهذا هو موقف لجنة البندقية وأغلب المختصين في القانون العام. كما أؤكد انّه يصحّ القول أنّ الإنسان هو الذي يصنع المؤسسات لا سيّما اذا تعلّق الامر بهيئة وقتية. أما الأسباب المخصوصة التي جعلتني اراجع موقفي فاغلبها جديدة وراجعة ما بين صائفة السنة الفارطة واليوم وهناك مبدأ قانوني اجرائي في القضاء الإداري «عند ولادة عناصر قانونية او واقعية جديدة يجوز اعادة مناقشة الملف».
وماهي اسباب هذا التغيير؟
يمكن حصرها كالاتي:
شبهة الفساد الاداري والمالي الموجهة لهيئة الحقيقة والكرامة وننتظر قول الفصل من قبل اللجنة البرلمانية المتعهدة.
راي لجنة البندقية.
- قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين المؤرخ في 22 ديسمبر 2015 بخصوص الفصل 64 من قانون المالية والمتعلق بجرائم الصرف وهي احد المكونات الثلاثة لمبادرة رئاسة الجمهورية الى جانب رجال الاعمال المنسوب إليهم تحقيق منافع من المال العام ونفس الشيء بخصوص الموظفين العموميين وأشباههم.
- الاعتداء الفاحش والمتكرر على القضاء الاداري في أربع مناسبات وأخرها الحكم الصادر في 3 جوان 2016 والقاضي بقبول الدعوى المقدمة من عضوين غير مستقيلين من هيئة الحقيقة الكرامة وهما مصطفي البعزاوي وليلى بوقيرة وتوقيف تنفيذ قرار الهيئة المتعلق بانتخاب خالد الكريشي في خطة نائب ثان لرئيسة الهيئة. وقد ورد في الحيثية الرئيسية «ان التمادي في تنفيذ القرار المنتقد من شأنه ان يؤول الى افراغ توقيف تنفيذ قرار اعفاء زهير مخلوف في نفس الخطة من محتواه وتكريس حالة اللاّشرعية المتواصة»، زد على ذلك اعفاء الطاعن الأول مصطفى البعزاوي مباشرة اثر هذا الحكم من رئاسة اللجنة التي تعنى بغربلة المؤسسات وإصلاحها. وهذا السبب كان رئيسيا وحاسما في ما ذهبت اليه من اعتبار أن هيئة الحقيقة والكرامة ذات الشرعية المنقوصة بفعل أنها وليدة
محاصصة سياسية لمصلحة الترويكا وهو اثم أصلي، أضحت في نظري فاقدة لكل مشروعية ذلك انّنا نؤمن ان العدل هو اساس العمران وبالتبعية وتفريعا عن هذا المبدأ فانّ غياب الانصياع لاحكام القضاء مؤذن بخراب العدالة الانتقالية، دون حاجة للتذكير انّ هذا العمل يشكل اذلالا للمواطن ومسّا من مكانة القاضي وخرقا لـقانون المحكمة الإدارية وخاصة الفصول 10 و41 و55 واستباحة للدستور وخاصة الفصلين 102 و111 الذي يحجر الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية التي تصدر باسم الشعب وتنفذ باسم رئيس الجمهورية، فحتى الشعب وكذلك رئيس الجمهورية هما كذلك معنيان بهذا الانتهاك.
ودائما في هذا المضمار فقد ثبت في الرأي الوجوبي الذي ادلت به الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ماي 2016 بخصوص مشروع القانون المتعلق بـالابلاغ عن الفساد وحماية المبلغين انّها اقترحت ادراج عدم تنفيذ الاحكام القضائية ضمن حالات الفساد، ونرى وجاهة في هذا الاقتراح لا سيّما انّ سلوك هيئة الحقيقة والكرامة يمكن ان يؤدي الى تعويضات غير مستوجبة قانونا (مثلا في حالة زهير مخلوف: جملة المرتبات والامتيازات التي فاتته والتعويض عن الضرر المعنوي وكذلك التعويض عن عدم التنفيذ القصدي لحكم القضاء موضوع الفصل 10 من قانون المحكمة الادارية وأخيرا المصاريف القانونية والمحاماة)، ونفس الشيء ينطبق على كلّ من لم يذعن لحكم القضاء (لطفي القلمامي والهيئة الوقتية للقضاء العدلي والجامعة التونسية لكرة القدم...).
التصريحات الكريهة لأحد أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة والتي يمكن تلخيصها في انّه لا توجد هيئة قضائية تمتاز بعلوية على هذه الهيئة بما في ذلك القضاء الإداري، وهي تصريحات لا تستحق التأويل أو التعليق، علما وأنّها ولّدت امتعاضا شديدا لدى قضاة المحكمة الادارية، فحتى الرئيس الأسبق لم يجرؤ على التصريح بمثل هذا القول. «والله يرحمك يا مجلس تأسيسي، يا راجل أمي الأول، انّك لم تصل لا قولا ولافعلا الى مثل هذه المستويات».
وصلت الملفات المودعة لدى الهيئة الى 65 الف، ولا أتصور بالنظر للسير الذاتية للاعضاء والمهام ....