الرفض أزلي بل هو ظرفي ينتفي بانتفاء أسبابه، والأسباب شرحها لممثلي أحزاب الائتلاف حينما جالسهم فرادى.
منذ يومين لم يكن ينقل عن رئيس الحكومة الحبيب الصيد غير رفضه للاستقالة وتمسك حكومته بمواصلة أعمالها وفق مقتضيات الدستور على غرار ما عبرت عنه في بيان مجلس الوزراء المنعقد يوم الأربعاء الفارط.
تصريحات وبيان جعل رئاسة الجمهورية تنظر الى الصيد على انه يقوم بالتصعيد تجاهها ويصعب عليها تنزيل مبادرتها، وهو ما عبّر عنه رئيس الجمهورية تلميحا وترك التوضيح والتصريح للمقربين منه، خلال اليومين الفارطين.
تلك الساعات الـ48 كانت كفيلة بان تعلن عن احتدام الخلاف بين الصيد والائتلاف الحاكم، وخصوصا مع حركة نداء تونس التي تبنى قادتها لهجة حادة في خطابهم مع الصيد على عكس الأحزاب الثلاثة التي حاولت حفظ ماء الوجه وعدم غلق الأبواب للوصول لحل يرضي الجميع.
هذا الامر كان محلّ مناقشة بين الأحزاب الأربعة في اجتماع تنسيقيتها يوم الخميس الفارط، لكنه انتهى مثلما انطلق دون حل، بل إن التصريحات التي تلته بينت حجم الاختلاف في فهم ما تمت مناقشته بينهم في اللقاء، ليكون موقف حركة نداء تونس والاتحاد الوطني المعلن مساء الخميس، انه تم الاتفاق على ان تسحب الاحزاب الاربعة دعمها السياسي عن الحبيب الصيد وحكومته. وهو ما نفته النهضة بقولها ان اللقاء لم يصل لهذه النقطة وإنما ناقش توحيد موقف الاحزاب.
تعذر الوصول الي موقف موحد كان يمكن ان يضاعف العقبات أمام الأحزاب الأربعة في تعاطيها مع الحبيب الصيد، لكن الاخير فاجأ الجميع بخطاب مختلف يوم أمس الجمعة أثناء لقائه بهم فرادى.
فالصيد الذي التقى مع ممثلي الأحزاب الأربعة في مقر الحكومة بالقصبة أكّد لهم وفق قولهم انه لا يسعى للوقوف ضد مبادرة رئيس الجمهورية بل هو يعمل على انجاحها، وهذا الدعم عبّرت عنه امس كذلك رئاسة الحكومة ببلاغ مقتضب جاء فيه ان لقاءات رئيس الحكومة
بعدد من المسؤولين في الأحزاب السياسية ليست بديلا عن المشاورات الجارية في قصر قرطاج وإنما هي مساهمة من قبل رئاسة الحكومة في إنجاح المبادرة وضمان شروط ذلك.
ومساعيه لإنجاح المبادرة قدّمها الحبيب الصيد لممثلي أحزاب الرباعي الحاكم في لقائه بهم تباعا، لقاءات انتهت بخروج من كان فيه وهو جّد «مسرور» فقد فاجأهم الصيد بموقف لم يكونوا قد اعدوا أنفسهم لسماعه.
هذه المفاجأة عبرّ عنها طارق الفتيتي، رئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر الذي قال انهم شاركوا في اللقاء وهم منزعجون ممّا اعتبروه «استعلاء وتصعيدا» من رئاسة الحكومة بشأن رفضها الاستقالة وان من يريد إسقاطها عليه التوجه للبرلمان. ليغادروا اللقاء وهم مطمئنين الى ان الحبيب الصيد سيستقيل متى حان الوقت.
هذا الاطمئنان عبر عنه أيضا سفيان طوبال رئيس كتلة نداء تونس، واشد المنتقدين للحبيب الصيد، فطوبال اشاد بمناقب الحبيب الصيد وشدد على انه رجل وطني وشجاع. هذا التحول المفاجئ في موقف طوبال جاء بعد ان أكد الصيد لحركته في لقائه بهم، كما اكد لبقية احزاب الائتلاف، انه أعلن عن رفض الاستقالة بهدف الحيلولة دون تراخي الإدارة ان هو قدمها.
الصيد الذي أوضح للرباعي الحاكم مقاصد تصريحاته شدّد لهم انه غير ملزم بتصريحات الناطق باسم حكومته خالد شوكات التي جاء فيها ان الحكومة لن تستقيل وان الإطاحة بها لن تتم من خارج البرلمان. لم يترك زائريه يغادرون دون ان يبلغهم انه لا يرفض تقديم الاستقالة ان طلبها منه رئيس الجمهورية.
فهو وفق ما أكده ممثلو الأحزاب الأربعة الذين شاركوا في اللقاء، مستعد للاستقالة حال انتهاء المشاورات واتضاح الرؤية لدى الأحزاب، ففي النهاية هو يقدّم مصلحة البلاد على كل شي وليس طامحا في المنصب.
هذا الموقف الجديد الذي جاء بعد أسبوع من الأخذ والرد والتجاذب بشأن الآلية التي ستحقق الانتقال من حكومة الصيد الى حكومة الوحدة الوطنية، يبدو انه سيتضح أكثر اثر لقاء الحبيب الصيد برئيس الجمهورية يوم الاثنين، فالصيد سيلقي الكرة في ملعب الباجي قائد السبسي الذي أعلنت دوائر من القصر انه لن يطلب منه الاستقالة.