-I-
- تقديرا منّا أن الوطن أصبح اليوم مهددا في وحدته واستقلاله وسلامته،
- ووعيا منا أن الدولة الوطنية، دولة الاستقلال التي ضحى الشعب بالنفس والنفيس من أجل بنائها، تتعرض اليوم للهدم في الظاهر والخفاء، حتى أنها بلغت درجة من الإنهاك قد لا تقوى على الصمود في وجهه إن لم تسعف في الإبان لتستردّ هيبتها المفقودة وصلاحياتها المنهوبة وقوة قوانينها العادلة،
- وتقديرا منّا أن الهوية الوطنية التونسية بأبعاد انتمائها المغاربي والعربي والإسلامي والمتوسطي والإفريقي وبما تميزت به عبر مختلف الحقب التاريخية من أريحية التفتح على الغير وقدرة على استيعاب الاختلاف، هي اليوم مهددة بانغلاق فكري وتكلس وجداني وعقدي غير مسبوق.
- وإيمانا منّا بأن الثورة الوطنية التي أرادها شباب تونس ثورة من «أجل الشغل والحرية والكرامة الوطنية»، قد وقع السطو عليها وتغيير وجهتها نحو التخريف الهووي والغنم المالي والتكسب السياسوي...
- فإننا نعلن إيماننا بأن هذا التمشّي الخاطئ «المخالف لأهداف الثورة» هو الذي أفضى إلى ما نحن فيه من مآزق ومآسٍ اقتصادية واجتماعية وسياسية:
أ- فمن الناحية الاقتصادية، وكما يجمع عليه القاصي والداني، فإن اقتصادنا قد أشرف على الإفلاس، وإن ظاهرة التجارة الموازية الداعمة للإرهاب استفحلت استفحالا كبيرا ، وإن التهرب الجبائي الذي لا رادع له قد خرّب الاقتصاد الوطني وأنهك الميزانية العمومية، وإن قيمة الدينار انزلقت وهي في تقهقر مستمر ، وإن الأسعار في ارتفاع دائم، وإن التداين الخارجي قد بلغ المدى الخطير، وإن البطالة لم تزل على أشدها ولم تلق الى حد اليوم حلا ملائما .
ب - ومن الجهة الاجتماعية، فما من أحد يصغي إلى شكاوى الشباب مفجر ثورة ‘’الشغل والحرية والكرامة الوطنية ‘’؛ فالأفاق مسدودة، والمشاريع معطلة، والوضع الاجتماعي العام كثير الاضطراب، عميق الحيرة، شديد المخاوف، تكاثرت فيه الانتحارات يأسا من حياة بلا آفاق، وتتنازعه الإضرابات والاحتجاجات والمطالب التي لا تنتهي؛ ولا ريب أنّ في ذلك كله ما يهدد مستقبلنا القريب بما لا نرضاه أصلا ’ وبما لا يمكن التحكم فيه يوم تفيض الصدور بما استطاعت حتى الآن كبته.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
ج- أما التمشّي السياسي، فقد تاه بنا بين الهواية الساذجة والانتهازية الفجة إذ تعاقبت علينا في مدة خمس سنوات فقط، ما لا يقل عن ست حكومات لم تتوفر في أي منها أدنى شروط القدرة على تدبير الشأن الوطني، لاسيما في لحظات التحول التاريخي العميق، لحظة ارتقاء الدولة الوطنية إلى مصاف الدولة الوطنية الديمقراطية؛ فمع «السياسة الهووية» زمن الترويكا، أشرفت تونس على ما لا خير فيه لولا يقظة الشعب الذي أكره الحاكمين على الهروب بعد أن خيّل اليهم أنهم في حضرة ‘’نفحات ربانية’’، مبشرة بالخلافة السادسة!
د- ومع »اللاسياسة التكنقراطية»، بان لنا عجز أدعياء »الخبرة والشهرة« الذين حسبوا أن تسيير الدولة يكون على غرار تسيير مغازة صغرى... ولكن صبر الشعب التونسي وحكمة الرباعي الذي أقام الحوار الوطني، جعلانا نتجاوز تلك الفترة بسلام.
هـ- غير أن ما يدعو إلى الأسف حقا أن الكثير من التونسيين، نساء ورجالا، انتصروا لحزب نداء تونس وعولوا عليه لإنقاذ البلاد دولة وشعبا وأرضا وثورة وتاريخا وقيما، فخيب ظنهم بعد فوزه في انتخابات 2014، إذ ازدادت أوضاعنا من جميع وجوهها سوءا، وهو ما لا يحتاج فيه إلى مزيد بيان.
-II-
ومساهمة منا في رسم خريطة طريق وطنية تساعد على الخروج بالبلاد من المأزق الذي آلت إليه، نقترح ما يلي:
1 - إن أوّلى الأولويات هي أن تستردّ الدولة جميع وظائفها السيادية وأن تبسط سلطتها كاملة على جميع مؤسساتها وفروعها. ولا سبيل الى فرض الاحترام الا بسياسة رشيدة تفرض الاحترام .
2 - ثم، إنه على السلطات الدستورية أن تعجّل باستكمال بناء مؤسسات الدولة التي جاء بها دستور2014 في أقرب وقت ممكن، استكمالا لشروط قيام دولة القانون والمؤسسات، التي هي أساس الدولة الجديدة التي نادت بها الثورة.
3 - إن أوكد الواجبات وأثقلها تجاه الوطن اليوم، هو مقاومة الخطر الإرهابي المسلح بالرصاص والإرهاب المتستر بالدعوة الدينية بحكم ما بينهما من الوشائج التي لا تخفى على أحد؛ ولا ريب أن ذلك يلقي على دواليب الدولة مسؤولية مزيد العناية بقواتنا المسلحة ماديا وتشريعيا وتكوينا علميا وفنيا وتوعية فكرية .
4 - تأكيد أن على التونسي أن يعي أنه لا سبيل الى الخروج من المحنة التي نحن فيها، الا بالعمل واجبا مطلقا، وذلك بالرغم مما نلاقيه من ضيق في معيشنا اليومي؛ فما نهض وطن إلا بأبنائه، وما هان وطن إلا من هوانه على أبنائه.
5 - إنه من واجب جميع القوى الحية في البلاد القيام بكل جدية بحرب لا هوادة فيها ضد البطالة، بما يقتضي ذلك من إعادة النظر في السياسة الاقتصادية حتى تقوم على ركنين وثيقين: الأول هو تشجيع عوامل النّجاعة الاقتصادية، والثاني هو ضمان العدالة الاجتماعية، مع التزام الجميع بضبط النفس وتحمل أعباء إصلاح الشأن الوطني.
6 - إن أولى الأولويات على المستوى السياسي هي القطع مع سياسة «المحاصصة» الحزبية والتحالفات المشبوهة و«التكنقراطيات» الكاذبة؛ فإدارة الشأن العام عمل سياسي بامتياز، والتحالف لا يستقيم إلا إذا آنبنى على قيم مشتركة، أولها الإيمان بالحرية الفردية والاجتماعية والوفاء للوطن أرضا وتاريخا وإنجازات ومشاريع.
7 - إن من بين الأسباب العميقة لفشل تجارب الحكم المتتالية بعد الثورة، الاندفاع نحو ممارسة السلطة دون الاعتماد على رؤية طويلة المدى، وضعت وضعا منطقيا وواقعيا معتبرا كل المعطيات الموضوعية للحالة التي عليها البلاد وكل الضغوط الداخلية والخارجية وكذلك المعطيات البشرية والهيكلية والمالية والفنية المجودة في البلاد ؛ لذلك، فإنه يتحتم على مؤسسات الدولة وعلى السياسيين القطع مع ضروب من المراس«السياسي»، قامت على غياب الرؤية الكلية وعلى الاكتفاء بالمتاح اليومي وعلى محاولة تسكين الجراح النازفة في فيض من الهذيان؛ فما التأم جرح ولا برئنا من سقم... وبما أن البلاد على وشك تحول سياسي خطير فإنه من الواجب علينا أن ننبّه كل من رام الخوض في هذه المعركة اعتماد المبادئ التالية :
-III-
أ - وضع مخطط تنموي تطلعي ومستقبلي، يعده أهل الخبرة من بين من مارسوا التجارب التنموية للبلاد وعايشوها وقادرين على تصور مستقبل البلاد على المدى البعيد، ويجنبها مساوئ الأنظمة التنموية الفاشلة السابقة ويكون مركزا على التنمية الجهوية وعلى العدالة بين جميع الطبقات الاجتماعية وخاصة، الطبقات المستضعفة والمسنة والمريضة وأصحاب الإعاقات الجسدية الخاصة؛
ب - إعطاء الأولوية لإعداد المخطط التنموي على المدى البعيد ووضع خارطة الطريق الملائمة لذلك بدل المسارعة الخاطئة بتكوين الحكومات. فالحكومات تؤلّف على أساس الأهداف والمخططات وكفاءة الرجالات المكلفين بإنجازها، وليس العكس، وبذلك تسقط كل الطلبات بالمحاصصة الوزارية؛ وعلى هذا الأساس، فمن واجب كل مترشح للاضطلاع بمسؤولية الشأن العام أن يبين مسبقا وكتابيا وعلنا اختياراته السياسية ويببّن تفاصيل برامجه الحكومية، بأدواتها ومناهجها وغاياتها العاجل منها والآجل، على أن يقاس كل برنامج مقترح بمدى تنفيذيته لتلبية مطالب الثورة، وتنزله الحقيقي في التاريخ الوطني الحديث بما يعتمل فيه من طموحات قامت على نظام تربوي موحد، سليم الأركان، عقلاني، مركز على العلم وعلى التقدم التقني وعلى رؤى ثقافية فيها من الوفاء للذات على قدر ما فيها من انفتاح على العالم ’ وعلى تحرير المرأة من ربقة التقاليد البالية.
ج - وضع خارطة طريق للقضاء على جميع أشكال الفساد ومقاضاة جميع المفسدين بما أجرموا في حق البلاد والعباد.
د - تجنب كل الصفقات والتفاهمات والتحالفات السياسية الحزبية التي من شأنها أن تؤول عاجلا أو آجلا إلى الانغلاق السياسي والتغول الحزبي وإلى إهدار التجربة الديمقراطية الريادية في البلاد ؛
هـ- التأكيد على أن الفترة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد، لها متطلباتها وضغوطها وبالتالي أنّ على كل الأطراف، بمختلف طبقاتها واختلاف مصالحها، أن تقبل راضية التضحيات الضرورية واجتناب كل أشكال الشك والمزايدات في الطلبات، حتى ولو كانت مشروعة في جوهرها.
و - الالتزام الواضح والجليّ بحظر الجمعيات أو البرامج الدعوية أو الإرهابية أو ذات الموارد المشبوهة .وحين تقتضي المصلحة الوطنية في هذه اللحظات الحرجة، فإنه على الحكومة أن تأمر بإيقاف النشاط المغشوش، ولمن يدّعي أنه مظلوم أن يلجأ إلى التقاضي.
ز - إن واجب المجتمع المدني هو أن يبرهن على استعداده للوقوف سدا منيعا في مواجهة أي تغيير لوجهة الثورة ولمبادئها النبيلة؛ ولا ريب أنّ للرباعي الراعي للحوار الوطني دورا لابد أن يواصل الاضطلاع به، وهو ما يلقي على جميع منظمات المجتمع المدني والمنظمات النقابية الوطنية، وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، مسؤولية ثقيلة تتمثل في مواصلة استلهام درس فرحات حشاد العظيم، القاضي بالجمع المتين بين البادرة الاقتصادية المنتجة، والمطلب الاجتماعي العادل . والواجب الوطني المقدس.
-------------
1 - هذا الإعلان مفتوح للإمضاء لكل من يساند الأفكار المعروضة في هذا النص : الرجاء مراسلة العنوان التالي : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. وستنشر القائمة النهائية للممضين في ظرف أسبوع بعد نشر هذا الإعلان في الصحافة اليومية.
• قائمة الممضين:
الصادق بلعيد - حمادي بن جاء بالله - عمار المحجوبي - علي المحجوبي - حمادي صمود - عبيد البشراوي - فوزي البدوي - منيرة ةالرمادي - شابوتو - علي التومي - نايلة السليني - آمال قرامي - المهدي عبد الجواد - البشير قربوج - البشير الامين - فتحية الزقلي - منية كريم - محمود التريكي - هاشمي عليا - منير الشرفي - عزالدين سعيدان - المنصف ماشطة - هيكل بن محفوظ - صلاح الدين الشريف - سليم اللغماني - الطاهر بن الأخضر - محمد قوبعة.