في بيان المكتب التنفيذي لاتحاد للشغل : نسف سردية السلطة وعكس الهجوم عليها

الناظر الى المصطلحات الواردة في بيان المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل الصادر أمس لا يمكنه ان يغفل عن ان المنظمة النقابية تخلت عن «دبلوماسيتها»

واختارت ان توصّف سياسات الحكومة كما تراها بصراحة ليضع الاتحاد حدا لمحاولة حشره في الزاوية بهدف توفير مساحات تتحرك فيها الرئاسة.
لم تنتظر المنظمة النقابية طويلا لتتفاعل مع التصريحات الرسمية المتعلقة أساسا بمشاركة الاتحاد في صياغة خطة الاصلاحات الاقتصادية التي تقدمت بها الحكومة التونسية لصندوق النقد الدولي، وهي تصريحات صدرت عن وزيرين في حكومة نجلاء بودن وعن محافظ البنك المركزي.
مفاد هذه التصريحات ان الاتحاد على علم بخطة الاصلاحات بل شارك في صياغتها اي انه ساهم في رسمها، هذا ما نفاه المكتب التنفيذي للاتحاد الذي اصدر بيانا اعرب فيه عن «صدمته» من حجم «المغالطات المفضوحة» الصادرة عن محافظ البنك المركزي ووزيرة المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط.
مغالطات قدمت بالتلميح او بالتصريح اعرب فيها الاتحاد عن تنديده بها ووضعها في خانة «ادعاء الزور» والقصد هنا «مشاركة الاتحاد العام التونسي للشّغل في صياغة برنامج الحكومة»، برنامج قال انه «مجهول» ونفى نفيا قطعيا معرفته به وبما أبرمته الحكومة مع صندوق النقد الدولي من اتفاقيات وبهذا يدحض الاتحاد الرواية الرسمية ويترك الحكومة امام خيارين اما ان تستمر في معاداته او ان تنهى عملية الترويج لدعم الاتحاد لخطتها
حشر الحكومة لم يمر دون ان يعكس الاتحاد الهجوم عليها ويحرجها بمطلب الكشف عن مضمون الخطة الاصلاحات التي وصفها بـ«العقود السرّية بين الحكومة والدوائر المالية العالمية»، وان هذه الاصلاحات ستؤدي الى تفاقم معاناة التونسيين الاقتصادية والاجتماعية.
ويستمر البيان في محاصرة الحكومة وإحراجها بوصف سياساتها بالارتجالية ويعتبرها منعدمة الكفاءة وتتعمد التسويف والمماطلة اذا تعلق الامر بتطبيق الاتفاقات المبرمة بينها وبين المنظمة او في خيارها الذهاب بشكل احادي الى تنقيح القانون عدد 9 لسنة 1989، وان كل هذا سيؤدي بها في النهاية الى ان تواجه الاتحاد الذي سـيرد على سياساتها بقوة وبكل الاشكال النضالية المتاحة امامه اضافة الى انها ستواجه الغضب الشعبي والاحتجاجات.
مقابل حشر الحكومة والسلطة في الزاوية يضع الاتحاد نفسه في صف التونسيين بإعلان المكتب التنفيذي انه هو الذي يرفض رفع الدّعم والتفويت في المؤسّسات العمومية والضغط على كتلة الأجور، وانه لن يصمت ما لم تصغ خطة اصلاحات تشاركية تقوم على مبدإ الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية وعلى رأسها القدرة الشرائية وضمان ديمومة المؤسّسات وعموميتها.
هذه اللاءات التي اعلنها الاتحاد بشكل صريح وجدي تتوسع لتشمل ايضا الاجراءات الجبائية المنتظر ان تصدر في قانون مالية 2023، اجراءات اعتبرها الاتحاد غير منصفة لعموم التونسيين ومجحفة في حقهم ولا يمكن لها ان تمر تحت مبرّر «ميزانية الإكراهات» وعند هذه النقطة ينتقل الاتحاد الى تحميل المسؤولية» الى رئيس الدولة والحكومة معا ويدعوهما ضمنيا الى الحوار وتجنب «التعنّت».
هذا البيان حمل مؤشرات تمكن من استشراف التطورات القادمة بين السلطة والإتحاد. فالصدام هنا غادر المربعات الضيقة والكواليس وبات معلنا لعموم التونسيين الذين قدم اليهم الصراع اليوم بعبارات حادة ومباشرة تجاوزت التلميح والتضمين.
فاليوم نسفت الثقة بين الاتحاد والسلطة التنفيذية التي بات الاتحاد يراها «عدوا» يعمل على محاصرته في مربع ضيق وتأليب التونسيين عليه بالإشارة في اكثر من مناسبة الى ان المنظمة منخرطة في الاصلاحات الاقتصادية موجعة، وهو ما يفقده مصداقيته اذا اختار مناصرة الاحتجاجات الاجتماعية لاحقا. محاولة قطيعة بين الشارع والاتحاد وسحب البساط منه تتم جنبا الى جنب مع تقديم راس اللسلطة التنفيذية لخطاب يهدف الى طمأنة التونسيين قوامه ان الدعم لن يرفع وان المؤسسات العمومية لن يقع التفريط فيها. لترسخ السلطة حتى على مستوى الخطاب ثنائية مفادها سلطة تدافع عن التونسيين مقابل منظمة يقع تسويق لها في خطاب الرسمي على انها تتلاعب بهم.
هذه الثنائية يبدو ان النقابة باتت مدركة لها ومدركة الى انها تحشر فيها حشرا مما دفعها الى ان تصعد اليوم في حدة خطابها التي تعمل على هدم سردية السلطة وتقدمها على انها الخصم الاول للتونسيين ومعاشهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115