وصول المرأة إلى مراكز القرار في تونس... فجوة كبيرة بين الواقع والتشريع: تداخل القيم في المجتمع يجعل من تهميش النساء في الإدارة والأحزاب السياسية والمنظمات أمرا لا يثير الإنتباه

تمثّل مشاركة المرأة في الشأن العام والوصول إلى مواقع القرار إحدى القضايا التنموية الأساسية والمدخل الرئيسي لتمكين النساء من التأثير في قضايا السياسات

العامة وإدارة شؤون الدولة في مختلف المجالات . ولئن تطورت تونس على مستوى القوانين والتشريعات المدافعة عن حقوق المرأة وحقها في المشاركة في الشأن العام وفي الوصول لمواقع صنع القرار منذ دولة الاستقلال وحتى اليوم، الا ان هناك بونا شاسعا بين التشريعات ومستوى التطبيق بحسب ما يؤكد على ذلك عديد النشطاء والناشطات في مجال الدفاع عن حقوق الانسان والنساء .

يعتبر تفعيل دور النساء في الحياة العامة وفي مواقع القرار من القضايا الهامة التي اشتغلت عليها منظمات حقوقية ومدنية عديدة في تونس كذلك وزارة المرأة والأسرة التي أطلقت برنامجا حول دعم مشاركة المرأة في مواقع القرار والحياة العامة وبرامج أخرى متصلة بتمكين المرأة في جميع المجالات، ودائما ما تصطدم المرأة بالواقع المجتمعي الذي يجعل وصولها الى صنع القرار أمرا هامشيا. وتؤكد آمنة الشابي وهي ناشطة مدنية لـ«المغرب» انه عند الدخول الى مجال العمل نجد ان جلّ القيادات في الإدارات العامة رجالية في حين ان النساء في الظل دائما. وقالت انها قدمت جهدا كبيرا في اطار عديد جمعيات المجتمع المدني وشاركت في ورش عديدة ودورات تدريبية تخصّ وصول الشباب والنساء لمواقع القرار. وتضيف: «التمييز ضد المرأة في المجتمع التونسي لا زال موجودا مشيرة الى انها تعرضت في خضم تجربتها في العمل الجمعياتي الى تمييز كبير حيث كانت أولوية الترقيات تمنح لزملائها، ورغم ذلك لم تفقد الأمل بتحقيق هدفها وحلمها في أن تكون قيادية فاعلة في المجتمع. وقالت: «مسيرة الإصلاح يجب ان تتواصل لانه لا يمكن تحقيق أي تطور في المجتمع التونسي دون تفعيل دور المرأة سواء أكانت مربية او معلمة او موظفة في القطاعين العام او الخاص وغيرها من المجالات».

وتجدر الإشارة الى دراسة ميدانية قدمتها جمعية «تونسيات» حول واقع مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية وفي الشأن المحلي. وقد هدفت هذه الدراسة بالأساس إلى تقييم اثر المشاريع والبرامج والسياسات العامة على النساء والرجال من خلال قياس فجوات المشاركة بين الجنسين وحسب الجهات.
وحسب ما جاء في الدراسة فقد كان للمرأة التونسية حضورا واضحا في مراكز قرار الجمعيات التي تركز في عملها على حقوق المرأة والعمل الاجتماعي مقابل تراجع حضورها في الجمعيات التنموية المحلية .

كما لاحظت الجمعية غياب حضور المرأة في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل. اما في العمل النقابي فان العنصر النسائي لم يتجاوز 4.2% سنة 2011. كذلك عرجت الجمعية على علاقة المرأة التونسية بالعمل الحزبي حيث تغيب في مراكز القرار في الأحزاب في كل الجهات.
وجاءت هذه الدراسة في إطار دعم جمعية تونسيات المتواصل منذ تأسيسها في 2011 لحقوق المرأة ومشاركتها في الشأن العام وفي الشأن السياسي.

عوامل سوسيولوجية
ويعتبر الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي لـ«المغرب» ان العوائق التي تحول دون وصول المرأة التونسية إلى دوائر القرار بكيفية تعكس خاصة درجة تعلمها تعود أساسا إلى إستمرار عوامل يمكن اعتبارها سوسيولوجية في الفعل والتأثير. ويضيف بالقول: «هذه العوامل الموروثة تتمثل أساسا في أن المجتمع يواصل لحد الآن التركيز في مسار التنشئة الإجتماعية على تهيئة المرأة لأن تكون أما وربة بيت معتبرا أن هذا الدور هو دورها الأساسي و ما بقية الأدوار الإجتماعية الأخرى إلا مكملات ومتممات لهذا الدور. ويعتبر محدثنا ان هذا الإعداد يحدد بشكل كبير مسار المرأة ويعطي غطاء تبرير لما تتعرض له إثر ذلك من ممارسات هدفها ابعادها عن مراكز القرار. ويضاف إلى ذلك ان الذين يملكون السلطة ويتحكمون فيها غالبا ما يعيدون إنتاج المجتمع و يواصلون بالتالي تغليب حضور الرجال في مراكز القرار على حساب المرأة . ومما يزيد هذا التوجه رسوخا أن الوعي السائد لا ينظر للأمر بوصفه تعبيرا عن حيف خاصة في ظل إرتفاع عدد ونسبة النساء صاحبات الشهادات العلمية العليا بل يقبله ويبرره وغالبا ما يرفض أن يناقشه». ويضيف الحاجي: «هناك حالة من تداخل القيم في مجتمعنا تجعل من تهميش النساء في الإدارة والأحزاب السياسية والمنظمات أمرا لا يثير الإنتباه رغم سلبيات هذه الممارسة التي تضرب بشكل يومي أسس التحديث».

معوقات عديدة لتطبيق القوانين
وشددت تركية بن خذر نائبة رئيس رابطات الناخبات التونسيات في حديثها لـ«المغرب» على أهمية توعية النساء بحقوقهن وأهمية مشاركتهن في الحياة العامة مشيرة بالقول: «نحن جمعية نسوية تأسست سنة 2011 ونعمل على توعية النساء بأهمية مشاركتهن في الحياة العامة والحياة السياسية وملاحظة الانتخابات من منظور النوع الاجتماعي لرصد وتوثيق كل أنواع العنف السياسي ضد النساء. وكنا قد قمنا بتكوين ملاحظين وملاحظات لملاحظة المسارات الانتخابية لسنة 2014 و2019. وقمنا كذلك بتكوين مراقبين ونعمل كذلك على دعم قدرات المرأة السياسية من خلال المرافقة والتكوين حتى تكون في مراكز القرار وفي المناصب العليا للدولة « . وتضيف محدثتنا :»نحن كرابطة وجمعية نسوية هدفها تمكين النساء من مراكز القرار ودعمهن فيكل نضالاتهم ،واستجبنا لطلبات النساء القيادات والمترشحات للانتخابات القادمة من خلال المرافقة والتكوين في عدة محاور أهمها كيفية تمويل الحملات الانتخابية والمناصرة والاتصال السياسي حتى تكن متسلحات بجملة من المعارف من أجل تكافؤ الفرص».

أهمية تجريم العنف السياسي ضد النساء
وتضيف تركية بن خذر بأن هدف الجمعية هو دعم القدرات النسائية حتى تكون في مراكز صنع القرار بقطع النظر عن المواقف السياسية والايديولوجية: «وقالت نحن جمعية نسوية كقوة ضغط ودورنا مزيد التوعية والتكوين كقوة ضغط لحمل الدولة التونسية على تطبيق القوانين التي تحمي النساء كذلك تطبيق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليهم الدولة التونسية وحملها على المصادقة على الاتفاقيات الدولية التي لم تصادق عليها حتى الآن مثل اتفاقية 183 وهي اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن مراجعة اتفاقية حماية الأمومة. ومطلبنا ضرورة تطبيق قانون 58 لمناهضة كل أشكال العنف ضد النساء. وتتابع بالقول :«صحيح ان لدينا عديد القوانين الهامة في مجال حقوق النساء لكن صعوبة التطبيق عائق لوضع حد لسياسة الإفلات من العقاب. من هنا تتأتى ضرورة تجريم العنف السياسي ضد النساء حتى تنشط النساء في الحياة العامة في ظل مناخ عادل يضمن المساواة التامة بين النساء والرجال».
وأضافت انه حتى اليوم توجد قضايا في علاقة بالعنف السياسي ضد النساء لم تلق المآل اللازم رغم ان القانون 58 يجرّم العنف السياسي .

مؤشرات وأرقام
من جهته، قال الخبير في الطفولة والأسرة إبراهيم الريحاني لـ«المغرب» ان أهمية تفعيل دور المرأة في صنع القرار في تونس ومشاركتها السياسية مسألة حساسة رغم أنه تمّ حسمها على المستوى القانوني حيث اعتبرها الدستور من الحقوق الأساسية. لكن بقي تنفيذ هذه الحقوق على المحك وتطوف حوله العديد من المعوقات. ويتابع بالقول: «لابد وجوبا لتشخيص واقع المرأة التونسية في هذا الاطار بين التشريعات والواقع الوقوف على العديد من المؤشرات لتبيان هذا الواقع بصورة موضوعية بعيدا عن كل المزايدات او التوصيفات المغلوطة.
ورغم اعتبار النساء التونسيات من بين أولئك اللاتي يتمتعن بحقوق فردية واسعة مقارنة مع المرأة العربية بشكل عام، غير أن الواقع أبرز ضعفا على مستوى فاعلية مشاركتهن السياسية. حيث لم يتحسّن وضع المرأة في إطار الانتقال الديمقراطي مقارنة بالفترة السابقة قبل 14 جانفي 2011التي تم فيها إجراء إصلاحات فوقية وسعي الى ان يكون موضوع مكانة من المواضيع ذات الاولوية. ولكن هذه الإصلاحات لم تكن عند مستوى انتظارات المرأة التونسية. وبحسب الريحاني فإن الإصلاحات الفوقية كانت وليدة الرؤية التقدمية التي حملها الرئيس الأول للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة (1956 - 1987) نتيجة لفلسفته التي تستند إلى أن من واجب الدولة النهوض بالمرأة.

بعد ذلك تعزّز هذا التوجه النسوي الذي تحركه الدولة وقد تطوّرت كنتيجة لهذه السياسة نسبة مشاركة النساء في الحياة السياسية. حيث سجلت المجالس البلدية صعودا لنسبة مشاركة النساء اذ كانت في حدود 13.3% سنة 1990 لتصل الى 16.6 % سنة 1995، ثم 26%في 2005 واخيرا 32.8% سنة 2010. أما مستوى المجالس النيابية فقد ارتفعت نسبة الحضور النسائي فيها من 1،1 % داخل مجلس النواب عام 1959 إلى 27،5% سنة 2009 في حين تقدر نسبة حضور المرأة في مجلس المستشارين بـ 19%. واحتلت امرأة في نفس المجلس منصب نائبة الرئيس. ومثلت النساء نسبة 25% في المجلس الدستوري. وفي عام 2004، عينت لأول مرة في تونس، امرأة والية. كما أفرزت انتخابات 2011 في نهاية المطاف عن انتخاب مجلس وطني تأسيسي متكون من 217 نائبا منهم 65 امرأة بنسبة 29.95%. ولا ترأس أية امرأة مجموعة برلمانية. ومن بين 16 لجنة برلمانية تعد في المجموع 101 نائبا توجد 28 امرأة فقط.

أما في 2014 فقد بلغت نسبة تمثيل المرأة في مجلس نواب الشعب حوالي 31 بالمائة من اجمالي 217 نائبا. ومن بعد انتخابات 2014 تحسن تمثيل المرأة التي رفعت إلى 19،5٪ حيث شهدنا تولي ثلاث نساء لحقائب وزارية هي الثقافة والسياحة والمرأة، وخمسة كتاب دولة هن كاتبة دولة لدى وزير الخارجية، كاتبة دولة لدى الوزير المكلف بالتطوير والتعاون الدولي، كاتبة دولة لدى وزير الخارجية مكلفة بالتعاون الدولي وكاتبة دولة لدى وزير الزراعة وأخيرا كاتبة دولة مكلفة الشهداء الجرحى والثورة. لنصل في الأخير الى فترة رئاسة رئيس الجمهورية قيس سعيد ليختار رئيسة حكومة امرأة وهي السابقة الأولى من نوعها»

ويوضح محدثنا انه من هذه المؤشرات نستنتج بأنه لا وجود لإرادة حقيقية من الأحزاب السياسية وأصحاب القرار السياسيين في تمكين النساء من الارتقاء إلى مناصب سياسية لها سلطة القرار.

معالجة ثقافية وتربوية
وقال ريحاني ان المشكل في تمكين المرأة من هذه المناصب هو مشكل ثقافي تربوي عبر تكريس العقلية الذكورية والتي تعكسها العديد من الظواهر خاصة في علاقة بالمقاربة الحقوقية للمرأة. فان هذه المعالجة مغيبة تماما وانما يبقى التركيز على المقاربة التشريعية او في برامج موجهة للمرأة بشكل فرداني دون تشريك شمولي وفق مقاربة كاملة وذلك لتجذر التربية الذكورية في شخصيته التي اعاقت المرأة من ان تتقلد مناصب عليا فيما يتعلق باتخاذ القرارات». وأعطى محدثنا أمثلة عديدة عن الحيف الاجتماعي التي تتعرض له المرأة في المجتمع بدءا بالمرأة الريفية التي تشقى من أجل لقمة العيش في حين ان الرجل غائب عن هذه المسؤولية . وقال من المفروض ان تكون المرأة في هذا المسار هي القائدة وذلك عبر برامج تؤهلها لكسب الحق الاجتماعي من خلال مشاريع تعطيها المكانة الاجتماعية وتحررها من عبودية هذا الرجل الانتهازي. وعن رؤيته للحلول الممكنة فانه يعتبر بأن إعطاء المرأة حقها في المشاركة وفي صنع القرار يبدأ من المعالجة التربوية والثقافية عبر تكريس صور تعطي تمثّلا حقيقيا لمكانة المرأة ودورها في بناء المجمع بعيدا عن الشعارات الرنانة. وقال ان الكثير يرفع شعار حماية المرأة واعطائها المكانة الحقيقية ولكن من ناحية أخرى فان هناك فجوة حقيقة في المجتمع وصراع داخلي بين الرجل والمرأة وذلك لبقاء التربية الذكورية هي المسيطرة وذلك ينعكس في الأحكام المسبقة عن المرأة من خلال الموروث الاجتماعي. فكل التشريعات والبرامج التي كان من المفروض ان ترتقي بمكانة المرأة كشفت عن صراع حقيقي وكأن المرأة أَخذت الحقوق بالقوة مما رفع في نسب العنف الذي تتعرض له المرأة والاقصاء عن مواقع القيادة في مختلف المجالات . وأضاف :«لهذا لابد من معالجة هذا الخلل من خلال التربية والثقافة منذ الصغر عبر تكريس تكافؤ الفرص بين الجنسين وتبيان الدور الحقيقي للمرأة في الانتاج والابداع برؤية بناءة لا برؤية تعتمد على افتكاك حقوق هي بالأساس حقوق من الواجب اسنادها وليست هدية او هبة من أحد».

ويلقى اليوم على عاتق المجتمع المدني والاعلام دورا كبيرا في تحقيق التوازن بين الجنسين في الشأن العام وكذلك القضاء على العنف السياسي الذي يستهدف ويضعف وصول المرأة لصنع القرار. وقد أطلقت منظمة صحفيون من أجل حقوق الانسان مشروع «عالم كندا: صوت النساء والفتيات»، ويهدف الى تطوير إعلامي يتواصل على مدى أربع سنوات يستهدف وسائل الإعالم والمجتمع المدني ومنظمات حقوق النساء والمؤسسات الأكاديمية وصناّع القرار وغيرهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين المدافعين عن حقوق الإنسان. يهدف المشروع إلى تطوير قطاع الإعلام وتعزيز الشراكات بين الحلفاء الرئيسيين نحو هدف تعزيز حقوق الإنسان للنساء والفتيات من خلال تطوير وسائل الإعلام وذلك في اطار دعم الجهود الوطنية في النهوض بحقوق الإنسان والمساواة في البلد وتعزيزها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115