الهجرة غير النظامية : تعددت الأسباب وتغيرت التمثلات فمتى ستستوعب الدولة ؟

باتت اخبار الهجرة غير النظامية حاضرة يوميا وبقوة في المشهد كاشفة في تفاصيلها المأساوية عن حجم المأزق والأزمة العامة

التي اعادت تشكيل المجتمع التونسي وانعكست على انماط الهجرة غير النظامية وتغيير تمثلها لدى الاسر التونسية والمجتمع.
يبدو ان اكتوبر آبى ان يفارق التونسيين إلاّ وقد ملأ صدورهم بالحزن والغضب مما الت اليه الاوضاع بصفة عامة، فهو شهر الفواجع المتصلة بالهجرة غير النظامية، او هذا هو الانطباع السائد بشأنه، في ظل تواتر الانباء السيئة عن مآسي شهدتها اسر انخرطت كليا او جزئيا في مسارات الهجرة غير النظامية.

فخلال الاسابيع الفارطة تشكلت صور انطباعية لدى قسم واسع من التونسيين تتعلق بالهجرة غير النظامية وبالمسؤولية السياسية والاخلاقية للدولة وبمسؤولية الاسر والابناء عن تكرار فواجع غرق مهاجرين في البحر الابيض المتوسط وما يترتب عن هذه الفواجع من مآس كشفت الاحداث في جرجيس عن البعض منها وكشفت طفلة السنوات الاربع جزء اخر منها.

احداث كشفت عن قمة جبل الجليد فالإحصائيات التي قدمها المرصد التونسي لحقوق الاقتصادية والاجتماعية تكشف عن ان حوالي 40 الف تونسي شاركوا او حاولوا المشاركة في هجرة غير نظامية في الاشهر التسعة الاولى من السنة الراهنة. 13 الف منهم بلغوا السواحل الشمالية للمتوسط فيما القي القبض على 23 الف منهم من قبل السلطات التونسية وظل مصير اكثر من 500 منهم غير معلوم وهم يصنفون كضحايا ومفقودين.

ارقام بينت تصاعد نسق الهجرة غير النظامية من تونس نحو اوروبا بشكل لافت خلال السنتين الفارطتين، لتبلغ أكثر من 12 ألفا مهاجر تونسي للسواحل الإيطالية سنة 2020 وهم وبات 15 ألفا في 2021. دون احتساب الارقام المتعلقة بالهجرة غير النظامية عبر صربيا التي باتت طريقا جديدا لدخول تراب الاتحاد الاوروبي.

هذه الارقام تبرز معطيات مخيفة كشفت عن تغيير في «ملمح/ Profil « المهاجر غير النظامي في الامواج الجديدة من الهجرات غير النظامية تكشف عن تغيير كبير جسد في مشاركة جماعية للأسر والأطفال. حيث تكشف معطيات احصائية للأشهر الستة الاولى من 2022 عن ان اكثر من 2400 قاصر و500 اسرة بلغوا السواحل الايطالية اثر مشاركتهم في هجرة غير نظامية.

اي ان الصورة النمطية للمهاجر غير النظامي، كشاب تعذر عليه تحقيق انجاز دراسي او النجاح الفردي وهو يقطن في حي شعبي وينتمي الى اسر فقيرة وعاطل عن العمل لم تعد صالحة فالهوية الجديدة للمهاجر غير النظامي تغيرت كليا وباتت متنوعة، فلم يعد العاطل عن العمل او الفاشل في تحصيل مستوى دراسي هو «المهاجر» بل تنوعت خلفيات المشاركين في هذه المغامرة البحرية الخطيرة، شباب وكهول واطفال قصر، نساء ورجال، واسر باكملها قررت مغادرة تونس.

تغيير ملامح المهاجرين غير النظامين يسقط مقولات سابقة وقديمة عن الهجرة غير النظامية حتى وان كان يكشف عن ذات الجمهور والمحرك الاساسي هو الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي وانسداد الأفق. كما كشفت عن تغير تمثل المجتمع التونسي افراد واسر للهجرة غير النظامية وللمشاركين فيها، فلم تعد الصورة السلبية هي التي تستحضر بل صور النجاح الذي يخفي مخاطر التجربة وسلبياتها.

تغيرات كشفتها دراسات اجتماعية عدّة بحثت عن الدوافع وعن التمثلات وعن مواقف الاسرة والمجتمع وعن تأثير السياسي والاقتصادي في الخيار، وأجمعت بأشكال صريحة او دونها عن ان فقدان الأمل في تحقيق الذات او الرفاه او النجاح هو المحرك الاساسي لم تعد الدوافع الرئيسية هي الاوضاع المادية او الهشاشة الاجتماعية بل باتت متنوعة ومتعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وبل صحية، فقد كشف في وسائل الاعلام الايطالية وما نشره النائب السابق بالبرلمان مجدي الكرباعي ان الطفلة ذات 4 للسنوات التي بلغت السواحل الايطالية منذ يومين دون ان تكون مرفوقة بوالديها قد وجد في حقيبة ظهرها ملف طبي.

واقع يتطلب ان تفككه الدولة وان تستوعب رسائله وما يعنيه سياسيا واجتماعيا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115