مراكز ايواء النساء ضحايا العنف في تونس: فرصة هامة لإعادة إدماج النساء المعنّفات وتمكينهن اقتصاديا ومجتمعيا ونفسيا

رغم الدور الريادي الذي باتت تلعبه المرأة في تونس في عديد القطاعات خاصة في اطار نضالها المستمر للدفاع عن حقوقها القانونية والاقتصادية والاجتماعية

ورغم كل المكتسبات القانونية الهامة وآخرها القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، الا انه توجد عديد الصعوبات والتحديات والنقائص التي تعتري أوضاع النساء المهمّشات خاصة في ظل ارتفاع منسوب العنف الأسرى والزوجي. اذ تؤكد الأرقام الصادرة عن وزارة المرأة والاسرة ان 74 % من حالات العنف ضدّ المرأة مصدرها الزوج. وتؤكد وزارة المرأة أنها تتلقى سنويا نحو 15 ألف تبليغا عن حالات عنف ضد النساء وقد تلقت 82 % من المبلّغات عنفا معنويا، وتعرضت 66 % منهن الى عنف جسدي كما تعرضت 39 % منهن إلى عنف اقتصادي.
في اطار تنفيذ الاستراتيجيـــة الـــوطنية لمقاومـــة جميع أشكـــال العنـــف ضـــد المرأة وتكريس مقتضيات القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، تم انشاء عديد مراكز الايواء للنساء المعنّفات في تونس بالشراكة مع المجتمع المدني وهي تتعهد بإيواء وقبول وتوجيه النساء في عدد من الجهات والولايات. وتقدم هذه المراكز خدمات عديدة للنساء المعنّفات مثل الإقامة المؤقتة والآمنة للنساء ضحايا العنف وأطفالهن. وتقديم خدمات تساعدهن على إعادة التأهيل تحتوي على الإنصات والرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية إضافة الى توجيه قانوني ومرافقة قضائية وإدماج اجتماعي.
مرحلة انتقالية هامة
وتمّثل مراكز الايواء مرحلة مهمة في حياة النساء ضحايا العنف ، فمدة الإقامة في عديد المراكز لا تتجاوز الثلاثة أشهر قابلة للتمديد يتم خلالها تقديم كافة الخدمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة للمرأة المعنّفة من أجل احاطتها للخروج من الأزمة التي تمرّ بها بعد تعرضها للعنف الزوجي والأسرى. ويتم العمل حاليا على وضع خطة لحسن تطبيق القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وذلك بطريقة تشاركية مع جميع الوزارات والهياكل المتدخلة.
«نعيمة. ب. «أم لطفلين تبلغ 48 عاما تحدثت لـ«المغرب» عن تجربتها مع احد مراكز الإيواء مؤكدة انها توجهت للمركز بعد ان تعرضت لعنف شديد من قبل زوجها. ووجدت في المركز كل أسباب الرعاية النفسية والاجتماعية وقالت انها وجدت لأول مرة من ينصت اليها ولمشاكلها من قبل الأخصائية النفسية التي قدمت لها كل الارشادات اللازمة. وتضيف محدثتنا: «بتُّ اشعر اني خلقت من جديد انسانة حرة تعرف ما عليها وما لها. كما استفدتُ من دورة تكوين في مجال صناعة الحلويات وباتت لدي ورشة خاصة لي وانا أقوم ببيع منتجاتي سواء عبر صفحات التواصل الاجتماعي او من خلال معارفي». وأكدت محدثتنا انها باتت تتمتع بالاستقلالية المادية والنفسية».
اما مريم . ح تبلغ 38 عاما فأكدت لـ«المغرب» ان مركز الايواء كان بمثابة فرصة ثانية بعد تعرضها لعنف أسري شديد . فأعادت من خلال المركز ترتيب حياتها من جديد. وقالت انها استفادت من عديد الدورات التدريبية وورشات التكوين التي قدمها المركز بالتعاون مع الجمعيات المتعاونة معه. وانها اختارت دورات تكونية في مجال المنتوجات الفلاحية البيولوجية وافتتحت ورشات لتصنع المواد الغذائية مؤكدة بان تجربتها مع مركز الإيواء كانت لها بمثابة نقطة تحول جوهرية في مسيرتها وحياتها».
وأوضحت منال كشاط مديرة مركز «أروى القيروانية» لإيواء النساء ضحايا العنف والأطفال التابعين لهن في حديثها لـ«المغرب» الدور الذي يقوم به مركز أروى القيروانية في دعم وتمكين النساء المعنّفات فتقول: «افتتح المركز أبوابه لأول مرة في 19 نوفمبر 2017 وتواصلت الخدمات التي يقدمها لغاية سنة 2021 . ولاحقا ولأسباب مالية وقع اغلاقه مؤقتاw، ثم أعيد افتتاحه مؤخرا بمناسبة العيد الوطني للمرأة وطاقة استيعابه حوالي 8 أسّرة للكبار و3 اسرّة للصغار المصاحبين للأم المعنّفة». وأكدت محدثتنا ان المركز يشتغل بالتوازي مع خلية الانصات الموجودة في النيابة الجهوية للاتحاد الوطني للمرأة والمركز ممول من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان وبالشراكة مع جمعية التصرف والتوازن الاجتماعي «تامس» ويعمل تحت اشراف وزارة المرأة والاسرة والطفولة والشريك التنفيذي هو الاتحاد الوطني للمرأة التونسية: «وتتابع بالقول: «قمنا بإيواء 40 امرأة و 39 طفلا خلال العامين الماضيين ونحن نقدم خدمات متعددة للمرأة سواء عن طريق خلية الانصات او من خلال ايوائها في المركز وصولا لمرحلة اعادة ادماجها في المجتمع فتتحول من امرأة مهمشة ومعنّفة وضعيفة الى امرأة متمكنة اقتصاديا». وأكدت محدثتنا ان المركز يقوم بعدة ورشات تحسيسية لتعريف هؤلاء النساء بحقوقهن وواجباتهن والقانون عدد 58 لكي تعرف المرأة جيدا حقوقها وواجباتها . وتضيف محدثتنا: «هدفنا هو أن لا تشعر المرأة المعنّفة بالضياع بل نقوم بتوفير كل أسباب الرعاية لها ونحن نشتغل كثيرا مع مندوبية المرأة والفرق المختصة الموجودة في ولاية القيروان، والغاية من كل ذلك هو ان تصل المرأة الى برّ الأمان وان تأخذ حقوقها كاملة». وأعربت محدثتنا عن امتنانها وشكرها لكل الفريق العامل في المركز ولكل المتعاونين معه نظرا للدور الكبير الذي يقومون به من أجل الانصات للمرأة المهشمة وتوجيهها نحو حياة أفضل. وتحدثت مديرة مركز أروى القيروانية عن قصص نجاح كثيرة ولافتة مع نساء معنفّات استفدن من مركز الايواء، وكان ذلك بمثابة انطلاقة جديدة لهن بأحلام ورؤى مختلفة». كما تحدثت عن دورات التدريب والتكوين التي تستفيد منها النساء في مجالات مختلفة كالخياطة والتطريز او صناعة الحلويات وغيرها حيث تعطى شهادات للنساء وتتم مواكبتهن في مشاريعن الجديدة».
شراكات متعددة وفرص جديدة
دجلة الكتاري كاهية مدير تكافؤ الفرص في وزارة المرأة والطفولة وكبار السن اشتغلت على ملفات مقاومة العنف ضد المرأة وأكدت لـ«المغرب» ان تدخل وزارة المرأة في ملف مقاومة العنف ضد المرأة هو تدخل أفقي في إطار الاستراتيجية الوطنية لمقاومة العنف ضد المرأة والتي ترتكز على أربعة محاور هي الوقاية من العنف ضد المرأة والحماية والتعهد بالنساء ضحايا العنف والحوكمة والتنسيق و السياسات العامة والإصلاح التشاوري واثبات القانون. ومحور ثان هو محور الحماية والتعهد بالنساء ضحايا العنف والذي يتمثل بالأساس في احداث مراكز تعهد بضحايا العنف . وتضيف :» أول مركز حكومي أُنشئ سنة 2016 وهو مركز الأمان بولاية تونس الكبرى بالشراكة مع مكونات المجتمع المدني ومع جمعيات مختصة تقوم بتسيير المركز . وتضيف :«منذ فيفري 2022 قمنا بإحداث مراكز أخرى لا فقط بسبب ارتفاع منسوب العنف ولكن هناك مطالب لإيواء النساء وخاصة من قبل المجتمع المدني على اثر الزيارات التي قامت بها الوزيرة لتطاوين وتوزر وقابس وجندوبة . وتم احداث ثلاث مراكز جديدة بالشراكة مع مكونات المجتمع المدني حيث تم اطلاق 5 مراكز في تلك الولايات إضافة الى إعادة افتتاح مركز أروى القيروانية . وأشارت محدثتنا بان مركز اروى القيروانية كان موجودا منذ سنة 2017 في اطار برنامج المساواة بدعم من الاتحاد الأوروبي وصندوق الامم المتحدة للسكان واعيد افتتاحه في 9 اوت 2022 بمناسبة العيد الوطني للمرأة» .
أي دور للمجتمع المدني؟
ويعلب المجتمع المدني في تونس دورا كبيرا في اسناد النساء المعنفّات والمهمشات من بينهم «الجمعية التونسية للتصرف والتوازن الاجتماعي «تامس» التي تدير مركز إيواء «امان» لضحايا العنف ممثلة بالناشطة المدنية بسمة العبيدي وتقول لـ«المغرب» ان مركز «امان» افتتح في اول فيفري 2022 اثر اتفاقية شراكة بين وزارة المرأة والجمعية التونسية للتصرف والتوازن الاجتماعي «تامس». وتتابع بالقول:«منذ افتتاح المركز حتى الآن استقبلنا 29 امرأة ضحية عنف و31 طفل ضحية عنف. ويقع توجه النساء في المركز من خلال عدة جهات وهي الفرق المختصة لمواجهة العنف ضد المرأة والمندوبية الجهوية للمرأة ومندوبي حماية الطفولة والرقم الأخضر . وتوضح محدثتنا ان التعهد في المركز يتم عبر عديد المراحل وهو مسار طويل للتعهد بالنساء والأطفال على غرار التعهد النفسي ومتابعة الحالة الصحية لكل مقيم ومقيمة في المركز الى جانب التدخل الاجتماعي. وتضيف :«كما اننا نقدم للنساء الإحاطة الاقتصادية من خلال دورات تكوينية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية لإدماج النساء في برنامج الأمان ليكون لهن الحق في العلاج المجاني. الى جانب ادماج النساء في حلقات تكوين مختلفة حسب رغبة كل امرأة ومحاولة مساعدتها للبحث عن عمل لائق» .
وعن دور المجتمع المدني في دعم النساء المعنّفات تضيف محدثتنا: «يعمل المجتمع المدني بالتعاون مع هياكل الدولة ومع عديد الجمعيات مثل جمعية «بيتي» وجمعية «نساء الديمقراطيات» وكل ذلك في اطار مساندة المجتمع المدني لمجهودات الدولة لمكافحة ظاهرة العنف ضد النساء والأطفال. كما اشارت محدثتنا الى ان مركز إيواء النساء يحاول توفير عديد الأنشطة الترفيهية والتوعوية التي تساعد النساء للخروج من الحالة النفسية السيئة وإعادة ادماجهن عبر حلقات ودورات للتحسيس على حقوقهن وواجبتهن والقانون عدد 58 لسنة 2017 حتى تعرف المرأة حقوقها وكيفية الولوج لمرفق العدالة. كما اشارت الى ان المركز يقدم أنشطة بطريقة مستمرة سواء الاحتفاء بالأعياد الدينية او الاحتفالات بعيد المرأة . ومؤخرا شاركت النساء في المركز في مهرجان المطالعة لكي تكون هؤلاء النسوة أقرب للمجتمع ولا يشعرن بأنهن في مراكز إيواء بطريقة منعزلة. وأكدت ان مدة الايواء لا تتجاوز الثلاثة أشهر ويحاول من خلالها كل المتدخلين والمتدخلات والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين ان يكون هذا المركز هو مشروع حياة.
اما عن التحديات والصعوبات التي تواجه مركزا الايواء فأكدت محدثتنا ان الصعوبة تمكن في تأمين موازنات مالية لذلك هناك بحث دائم عن شراكات مع القطاع الخاص لتجاوز الاشكال ودعم مجهودات الدولة .
كما تلعب عديد منظمات المجتمع المدني سواء المحلية او العالمية دورا هاما في تسليط الضوء على قضايا النساء المهمشات على غرار منظمة «صحفيون من أجل حقوق الانسان «التي أطلقت مشروع «عالم كندا: صوت النساء والفتيات»، وهو مشروع تطوير إعلامي يتواصل على مدى أربع سنوات يستهدف وسائل الإعلام والمجتمع المدني ومنظمات حقوق المرأة والمؤسسات الأكاديمية وصنّاع القرار وغيرهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين المدافعين عن حقوق الإنسان.
ويهدف المشروع إلى تطوير قطاع الإعلام وتعزيز الشراكات بين الحلفاء الرئيسيين نحو هدف تعزيز حقوق الإنسان للنساء والفتيات من خلال تطوير وسائل الإعلام.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115