المنتفخ فتحولت قصتها إلى مأساة؟ وكم من حامل نزفت بقوة إلى حد لفظ أنفاسها الأخيرة بسبب محاولة إجهاض غير آمنة؟ تتكرر هذه الجرائم يوميا في كل أنحاء العالم، وفي الوقت الذي يحارب فيه المجتمع المدني من أجل تكريس الحقوق الجنسية والإنجابية، جاء قرار المحكمة الأمريكية العليا المتعلق بالإجهاض بحجم الزلزال الناسف لسنوات من النضال...
في السنوات الأخيرة، تحركت بعض الدول على غرار الأرجنتين وكولومبيا وإيرلندا لتمكين النساء من حقهن في الإجهاض. وقد رفعت المحكمة العليا في المكسيك صفة الجريمة عن الإجهاض في سبتمبر الماضي. إلا أنّه في أمريكا حدث العكس، في عودة على الأعقاب إلى الوراء!
أمريكا تعود إلى الوراء... إلى ما قبل السبعينات !
في عام 1970، رفعت نورما مكورفي (تحت الاسم المستعار جين رو) دعوى على ولاية تكساس الذي يحظر الإجهاض إلا في الحالات التي تهدد الحياة. وبفضل هذه القضية صدر القرار التاريخي المعروف باسم «رو ضد وايد» عام 1973 ليكرس حق المرأة في الإجهاض. ومن المفارقات أنه في شهر جوان من سنة 2022 قامت المحكمة الأميركية العليا بإلغاء الحق في الإجهاض وتركت لكل ولاية الحرية في أن تسمح بهذا الإجراء أو أن تقيده كما ترى، كما كان سائدا قبل السبعينيات. وقد نددت مظاهرات حاشدة وتعليقات غاضبة بهذا القرار الذي «يُخرج أمريكا من سياقها التقدمي وينتزع استقلالية ملايين النساء في الولايات المتحدة، خصوصا ذوات الدخل المنخفض واللواتي ينتمين إلى أقليات عرقية وإثنية..»
إنّ نصف النساء في حوالي 57 دولة لا يتمتعن بالقدرة على اتخاذ قرارات بشأن الرعاية الصحية أو وسائل منع الحمل أو الحياة الجنسية وفقا لتقرير الأمم المتحدة سنة 2021. كما كشف تقرير جديد لصندوق الأمم المتحدة للسكان سنة 2022 أنّ ما يقرب من نصف جميع حالات الحمل التي يبلغ مجموعها 121 مليون حالة كل عام في جميع أنحاء العالم هي حالات حمل غير مقصود. وتنتهي أكثر من 60 %. من حالات الحمل غير المقصود بالإجهاض، ويقدر أن 45 %. من جميع حالات الإجهاض غير آمنة، وهو ما يمثل 5 إلى 13 %. من جميع وفيات الأمهات المسجلة.
أمام هذه الأرقام والإحصائيات التي وصفت بـ»المذهلة والمرعبة»، تم التنديد بهذا « الإخفاق العالمي في دعم حقوق الإنسان الأساسية للنساء والفتيات». كما تم التحذير من العواقب الوخيمة لعدم تمكين المرأة من حقوقها الجنسية والإنجابية في تحقيق أهـداف التنمية
المستدامة في سنة 2030.
مشروع دستور 2022 هل يضمن الحقوق الجنسية والإنجابية؟
كثيرا ما صنعت تونس الاستثناء وكتبت بالخط العريض أنها بلد الحداثة والمدنية، وهي الحاملة لمرجعية حضارية وخلفية ثقافية تميزها عن بقية دول الجوار وعواصم العالم العربي. ومنذ عام 1965 صدر أول قانون خاص بإنهاء الحمل في تونس، وكان يبيح الإجهاض في أول ثلاثة شهور إذا كانت الأم قد أنجبت بالفعل أكثر من خمسة أبناء. و في عام 1973، تم تمكين كل النساء من الحق في الإجهاض وفقا لما يضبطه الفصل 214 من المجلة الجزائية.
ومن حق كل إمرأة تجاوزت 18 سنة أن تأخذ بمفردها قرار الإجهاض، وهو متوفر ومجاني وآمن وسري في جميع مراكز الديون الوطني للأسرة والعمران البشري.
وبعد أن قررت المحكمة الأمريكية العليا بتاريخ 24 جوان 2022، إلغاء الحكم الذي كان يضمن لحوالي نصف قرن من الزمن حق النساء الأمريكيات في الإجهاض ليكون لكل ولاية الحق في منعه أو تقييده، سارعت منظمات المجتمع المدني التونسي على غرار مجموعة توحيدة بن الشيخ والجمعية التونسية لمكافحة السيدا والأمراض المنقولة جنسيا والجمعية التونسية من أجل الحقوق والحريات إلى نشر بيان تضامن مع آلاف الأمريكيات اللاتي سيفقدن حقهن القانوني في الإجهاض.
وقد نبّه هذا البيان إلى أن واقع الصحة الجنسية والإنجابية في تونس بدوره يدعو للحيرة نظرا لتردي أداء البرنامج الوطني للصحة الذي تدهور أيضا بسبب تداعيات أزمة كوفيد 19. كما تراجعت نسبة استعمال موانع الحمل منذ 2018 بنسبة تقارب 50 %.
وأكد البيان أنّ النفاذ المتكرر لمدخرات موانع الحمل الآمنة والناجعة ومنتجات الاجهاض الدوائي، يحرم مستعملي ومستعملات هذه الوسائل من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
فهل يكفل مشروع الدستور الجديد الذي اقترحه الرئيس قيس سعيد للمرأة حقوقها الجنسية والإنجابية؟ وهل يضمن حقها في الإجهاض الآمن؟ جاءت الإجابة عن هذه التساؤلات على لسان المناضلة الحقوقية والناشطة النسوية يسرى فراوس كما يلي :» «إنّ ما جاء في مشروع الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء بعد أيام قليلة يحمل ألغاما قابلة للتفجير على مقاس من يحكم تونس اليوم ومن سيحكمها غدا. إنّ المشروع المقترح لا يعني قيس سعيد وحده بل كل من سيأتي بعده وقد تعودنا على المفاجآت في الانتخابات. وإن ما لاحظناه في مشروع الدستور الجديد هو انحسار مبادئ المساواة مقابل التنصيص على فصول تعود بنا إلى الوراء. ولعل أبرز تأكيد على ذلك ما جاء في الفصل الخامس حتى بعد تعديله، والذي نص على أنّ « تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظل نظام ديمقراطي على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية». وبالعودة إلى تفسيرات العلماء وفقهاء الدين، لا يمكننا الحديث عن مقاصد الإسلام بل عن مقاصد الشريعة الإسلامية وبالتالي فإنّ الحفاظ على النّفس» قد يفسره البعض بضرورة الاستخلاف في الأرض وبالتالي منع الإجهاض حفاظا على النسل . كما يمكن أن يقود الحفاظ على العرض إلى اقتراف «جرائم الشرف « ضد المرأة انطلاقا من ثقافة ذكورية بحتة. إنّ توطئة الدستور وفصله الخامس الخطير وما تضمنه الفصل المتعلق بالأسرة قد تمثل مجتمعة خطرا داهما على الحقوق الجنسية والإنجابية للمرأة وقد تؤدي إلى محاولة منع الحق في الإجهاض بحجة حماية الدولة للنفس أو للحق في الحياة».
وعن تأثير القرار المثير للجدل والمتعلق بالإجهاض في أمريكا في السياق التونسي، أكدت الرئيسة السابقة للجمعية التونسية لنساء ديمقراطيات يسرى فراوس أنّ قرار المحكمة الأمريكية العليا دوافعه سياسية بامتياز، وهو ما يبرز هشاشة مكتسبات النساء وحقوقهن أمام عواصف السياسة. وأشارت أن الكثير بالدول ستتعلل بهذا القرار الأمريكي لقمع الحق في الإجهاض على غرار ما حدث في «اتفاقية سيداو»... وشددت يسرى فراوس والتي كانت أول امرأة تونسية وعربية تفوز بجائزة «آن كلاين» 2022 على ضرورة عدم المساس بمكتسبات التونسيات بجحة دستور الجمهورية الجديدة أو إملاءات الصندوق الدولي أو السياسيات الخارجية أو القوى الرجعية...
الحقوق الجنسية والإنجابية تدفع ضريبة الحروب
«إذا كان لديك 15 دقيقة لمغادرة منزلك، فماذا ستأخذ معك؟ جواز سفرك؟ طعام؟ هل ستتذكر وسائل الحمل الخاصة بك؟ من خلال هذا التساؤل ترجمت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان ناتاليا كانيم انهيار الرعاية في زمن الأزمات والحروب. وقد توقع الصندوق أن «تؤدي الحرب في أوكرانيا وغيرها من النزاعات والأزمات إلى زيادة حالات الحمل غير المرغوب فيه، حيث يتعطل الوصول إلى وسائل منع الحمل ويزيد العنف الجنسي».
وتشير التقديرات إلى رغبة 257 مليون امرأة حول العالم في تجنّب الحمل لكنّهن لا يستخدمن وسائل منع حمل آمنة وحديثة. كما تسلب الأزمات والصراعات قوة النساء على جميع المستويات، مما يزيد بشكل كبير من خطر الحمل غير المرغوب فيه.
وبدوره، لم يكن قرار محكمة أمريكا خاليا من رائحة السياسة بل بدا متورطا في تنفيذ أجندا وإيديولوجيا على حساب المنظومة الكونية لحقوق الإنسان. وهو ما يؤكده التضاد بين صدمة الديمقراطيين ومباركة الجمهوريين والصراع بين «بايدن» و»ترامب» ...
أمام إعلان الأمم المتحدة عن توقعات بأن يصل عدد سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة في 15 نوفمبر 2022، لا بد أن تكون دائما أمام النساء حرية الاختيار في تقرير المصير حتى لا تفقدن الحياة بدعوى الدفاع عن الحق في الحياة !
Sexo Santé تطبيقة مجانية حول الصحة الجنسية والإنجابية
أعلن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري عن إصدار التطبيقة الرقمية المجانية للتوعية والتحسيس حول الصحة الجنسية والإنجابية تحت عنوان Sexo Santé . وتقدم هذه التطبيقة خدمات توعوية وتثقيفية وطبية لفائدة المراهقين والشباب من مختلف الأوساط قصد غرس ثقافة جنسية رشيدة ومسؤولة قائمة على تبني سلوك وقائي. وقد أشرف على إعداد هذا المحتوى مختصون في تقنيات الاتصال والتواصل وأطباء وقوابل وأخصائيون في علم النفس.
تونس أجازته في السبعينات وأمريكا تمنعه في 2022: الحق في الإجهاض في مهب عواصف السياسة
- بقلم ليلى بورقعة
- 10:53 18/07/2022
- 909 عدد المشاهدات
كم من رضيع لفظته الأرحام مباشرة إلى القمامة؟ وكم من وليد رمته الأيادي في الشوارع، فإما الحياة أوالموت؟ كم من امرأة جنى عليها بطنها