في تاريخها ستحدد مستقبلها، ضعف يبدو ان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تتحمل جزءا من المسؤوليه فيه لعجزها عن لعب دورها كحكم ومشرف على المسار وتركت لرئيس الجمهورية لعب هذا الدور.
بحلول اليوم انتصفت فترة حملة الاستفتاء على مشروع الدستور ولم تبق إلا عشرة ايام معدودات ارتأت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ان تتحرك فيها لرصد الاخلالات والمخالفات بعد ان استشرت هذه الاخلالات في النصف الاول في ظل مناخ انتخابي مختل ادى إلى ان تهيمن على الناس انطباعات سلبية.
ففي النصف الاول من فترة الحملة التي غابت عنها تقريبا النشاطات الميدانية وحلت بدلا عنها حملة دعائية استندت الى اللافتات الاشهارية والمعلقات وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعم طرح الجهة المبادرة بمشروع الدستور وتسوق له.
في هذه الفترة رصدت جملة من الاخلالات ومنها ما اشارت اليه الهيئة في بلاغها الصادر اول امس من خرق لمقتضيات الفصل 61 من القانون الانتخابي الذي يحجّر استعمال علم الجمهورية التونسية أو شعارها في المعلقات الانتخابية والمتعلقة بالاستفتاء.
استعمال علم المهورية التونسية وشعارها في حملة الاستفتاء انطلق منذ يوم 3 جويلية الجاري تاريخ بداية الحملة ولكته لم يكن التجاوز الوحيد المسجل اذ سجلت تجاوزات اخرى منها استغلال مرافق عمومية ومنشآت ادارية للقيام بحملات دعائية كالتي جدت في احدى دور الشباب بولاية منوبة او ما شهدته مدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة من انشطة مخالفة لمقتضيات حياد الادارة والناي بالمرافق العمومية عن الحملات الانتخابية او حملات الاستفتاء.
مخالفات ارتكبب وتكررت رغم ضعف نسق الحملة وشبه الغياب الكلي عن الارض، واستمرت الى ان اختارت الهيئة العليا ان تعلن في بلاغها ايضا انها تشدد على مبدإ حياد الادارة وتذكر بانه «واجب» كما تذكر بعدم استعمال الأعوان العموميين ووسائل السلطة العمومية ومواردها في حملة الاستفتاء على مشروع الدستور تطبيقا لمقتضيات الفصول 53 و54 و55 من القانون الانتخابي.
تذكير الهيئة بطبيعة المخالفات التي رصدت واستمرت رغم تذكيرها تزامن مع اعلانها انها دعت الهيئات الفرعية الى معاينة المخالفات واتخاذ الاجراءات القانونية في شانها وكأنها بذلك تعلن عن «حيادها» او عن قدرتها على ان تلعب دورها الرئيسي بتنظيم استفتاء نزيه وشفاف.
لكن ورغم صدور هذا البلاغ عن الهيئة المركزية الا ان المخالفات استمرت في علاقة بالمعلقات الاشهارية التي تستعمل العلم التونسي والتي مازالت منتشرة في عدة مناطق من تونس تحت انظار الهيئة ومراقبيها، مما يجعل الهيئة اليوم في موضع غير مريح ومحل انتقادات.
انتقادات تستند الى طبيعة مهمة الهيئة ودورها في العملية الانتخابية او الاستفتاء، وهو ان تكون الحكم والمشرف والمنظم وان تضع حدّا لأي تجاوز يصدر عن اي جهة كانت، ولكنها صمتت في النصف الاول ويبدو انها ستقتصر على لفت النظر في النصف الثاني لعدم قدرتها على تنزيل قراراتها على ارض الواقع ولارتهانها للقرار السياسي للسلطة التنفيذية.
فهيئة الانتخابات فقدت صلاحيتها في الاشراف على مسار الاستفتاء وتراجعت عن لعب دورها في ضمان نزاهة المسار وحمايته لتكون في دور المنفذ التقني. اذ تراجعت الهيئة عن ان تكون الضامن لنزاهة المسار ولان تفرز الصناديق ارادة التونسيين وتركت مكانها لرئيس الجمهورية للعب هذا الدور بصفته الرجل الاول في السلطة التنفيذية.
دور افتكه الرئيس من الهيئة تحت انظار رئيسها فاروق بوعسكر منذ فترة ولكنه تأكد حينما اعلن على مسمعه ان هناك محاولات لاختراق موقع التسجيل وان هذه المحاولات هدفها افشال المسار، وهو ما كرره لاحقا في لقائه بوزير الداخلية الذي اثنى على جهود وزارته في تامين المسار الانتخابي واشار الى تسجيل محاولات اختراق وتلاعب بمعطيات الناخبين.
وضع يعلن بشكل صريح ومباشر ان المناخ الراهن لم يعد يوفر الشروط الموضوعية لمناخ سليم وصحي لادارة النقاش العام بشان مشروع الدستور بل يضفى عليه سحابة من التشكيك عمقها الرئيس بقصد منه او دونه.
فاليوم بات جليا اننا في مناخ سياسي مضطرب ومحتقن انعكس سلبيا على حملة الاستفتاء التي تعاني بطبعها من اخلالات ترسخ شعورا سلبيا لدى الناخب التونسي الذي سيكون متخوفا على مصير «صوته» في ظل اخلالات عديدة تراقبها الهيئة وهي صامتة بعد ان راقبت صلاحيتها ودورها الذي يسحب منها.