منذ ان كان مرشحا يسعى بين الناس ليكتشف حظه. اليوم بات السؤال هل التزم الرئيس بشعاراته تجاه القضاء ام انه بقصد او دونه قد نكث وعده للتونسيين؟.
اثناء الحملة الانتخابية وفي السجال بين المرشحين للاستحقاق الرئاسي 2019 قال المرشح حينها قيس سعيد انه يؤمن بان «قضاء عادلا خير من 1000 دستور» وهي كلمات باتت جزءا من حملته الانتخابية التفسيرية قبل ان تصبح «شعارا» له في قصر قرطاج.
شعار طالما ذكره الرئيس قبل 25 جويلية وبعدها. فلأكثر من 10 اشهر كان الرئيس منشغلا بالقضاء وبـ«اصلاحه» كما يسوق في خطاباته التي شدد فيها على ان اصلاح وضع البلاد لا يتم دون اصلاح القضاء ومن هنا انطلق في سياسة «التطهير» التي انتهجها تجاه السلطة القضائية واستمر في تقديم خطاب يقوم على استهداف القضاة وتقديمهم كخائنين للأمانة التي عهدت اليهم.
الرئيس وفي كل خطابته، سواء لدى استقباله ليوسف بوزاخر حينما كان يشغل منصب رئيس المجلس الاعلى للقضاء في جويلية الفارط، او حين استقباله لليلي جفال وزيرة العدل في 1 نوفمبر 2021 او في كلمته بالمجلس الوزاري في فيفري او في ماي وبينهما خطابه للتونسيين في 7 مارس الفارط. كان القضاء العادل والناجز محور الكلمة والسياسة المنتهجة.
قضاء من اجله خاض الرئيس معركته الكبرى واستبدل قوانين بمراسيم بهدف ان يؤسس لاولى لبنات البناء الجديد او كما بات يعتمد اليوم منذ تشكيل الهيئة الاستشارية بـ«الجمهورية الجديدة»، التي تقوم في كل خطابات الرئيس على «القضاء» باعتباره منبع العدل والعدالة وحامي الحقوق والحق. وهذا ما قدمه الرئيس من حجج لخوض معركته من اجل «تطهير القضاء».
اليوم ومع تقدم سياسة التطهير التي اسفرت عن عزل 57 قاضيا بالاستناد الى تعديلات جديدة على مرسوم عدد 11 لسنة 2022 ومنح الرئيس وفق مرسوم جديد صلاحية عزل القضاة بالاستناد الى تقرير صدرت من جهات مخولة. يبدو ان السؤال الحارق هو هل اتضحت معالم القضاء الذي يؤسس للجمهورية الجديدة؟.
القول والجزم بالإجابة النهائية لهكذا سؤال لا تنطلق من «الانطباع» او الاحكام المتأثرة بالمناخ العام . بل بالنظر بهدوء وموضوعية قدر الامكان في كل ما قدمه الرئيس من اثر يتعلق بالسلطة القضائية وبتنظيمها. والأثر هنا ليس الخطابات الرئاسية بل المراسيم والأوامر.
مراسيم اهمها المرسوم عدد 35 لسنة 2022 الذي يمنح الرئيس صلاحية عزل القضاة «في صورة التأكّد أو المساس بالأمن العام أو بالمصلحة العليا للبلاد، وبناء على تقرير معلّل من الجهات المخوّلة، إصدار أمر رئاسي يقضي بإعفاء كل قاض تعلّق به ما من شأنه أن يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حُسن سيره».
هذه الصلاحية تجعل القضاة تحت سيطرة السلطة التنفيذية وخاضعة لها بعد ان جعلت للسلطة التنفيذية يدا عليا على المسار المهني للقضاة باقرار صلاحية العزل فقط بالاستناد الى تقارير معللة تصدرها جهات مخولة.
هذا التنقيح على مضمون الفصل 20 من المرسوم 11 الذي يمنح الرئيس صلاحية العزل، يقوم بنسف اول مبادئ العدل، وهو نسف قرينة البراءة والغاء مبدإ التقاضي والتدرج فيه، وجعل الامر مقتصرا على «حكم» من الرئيس ليكون كافيا لادانة المتهم.
ادانة انتقلت من الاروقة الرسمية الى الفضاء الافتراضي الذي تنشر فيه ويعاد النشر لوثائق وتقارير تصب في ادانة القضاة المعفيين، بما يحرمهم حقهم في التقاضي وفق المبادئ الاساسية لاية محاكمة عادلة تنطق من قرينة البراءة ويمنح المشتبه فيه حق الدفاع عن النفس ويحول دون اصدار حكم ادانة دون استكمال مسار التقاضي.
هذا النص القانوني الذي اصدره الرئيس يقدم صورة عن قضاء الجمهورية الجديدة وهو ما يستند اليه للمقارنة ومعرفة مدى التزام الرئيس بوعوده او إخلافها.