الرئيس وأنصار مشروعه السياسي لم يستطيعوا «التعتيم» على الصراع الدائر بين تيارات ومجموعات متنافرة لا يجمعها غير «الرئيس» وقد باتت -اليوم- تناقش امكانية الدخول في تجربة التنظم ككيان سياسي.
منذ ان اعلن عن نفسه كمرشح لخوص الاستحقاق الرئاسي في 2019، سجل حضور مصطلح «التنسيقيات» كرديف يعبر عن الهياكل وعن فريق الحملة الانتخابية للمرشح الذي بات الرئيس السادس لتونس قيس سعيد. تنسيقيات توارت عن الانظار ولم يطل منها الا اسمها وأسماء لعدد ممن قادوا حملة الرئيس في الجهات. لتغيب جزئيا عن المشهد بفوز مرشحها بكرسي الرئاسة.
فوز منح «التنسيقيات» هالة وزخما جعلها تصبح كيانا سياسيا نعلم بوجوده لا نتيجة حضوره المادي بل بأثرها في مشهد الحكم خاصة بعد تفعيل التدابير الاستثنائية ودخول البلاد في حالة الاستثناء منذ 25 جويلية 2021 والتي ترافقت مع تعيين اسماء بارزة في هذه التنسيقيات في دواليب الدولة ومراكز الحكم.
«تنسيقيات» لم تكن وليدة سنة 2019 بل انطلق تشكلها مع الاسابيع الاولى للثورة في 2011 لكنها بلغت تمددها وانتشارها في 2019 نتيجة اختيارها ان تكون تجمعات لأفراد لا يوحد بينهم إلّا مرشح للانتخابات ومقولات عامة لا تسمح بالاختلاف حولها، كمقاومة الفساد وتصحيح مسار الثورة...الخ.
مقولات عامة تجنبت هذه المجموعات المتكونة من الاضداد، اقصى اليمين واقصى اليسار، من الخوض في التفاصيل التي لا تجتمع حولها وهي بمثابة الالغام التي تهدد بتشتيتها اذا وقع الدوس عليها وباتت محل نقاش يستوجب الحسم وتقديم اجابات واضحة وصريحة.
اجابات باتت اليوم اكثر من ملحة لدى جزء من التنسيقيات، والسبب هو طرح فكرة التنظم في هيكل سياسي اي كيان يوحد بين هذه المجموعات ويوحد «مقولاتها» وانتماءاتها السياسية لمشروع له قواعد وافكار واضحة لا خلط فيها او مناطق رمادية. نقاشات انطلقت منذ فوز الرئيس وبروز الحاجة الى اطار يوحد «التنسيقيات» ويمد الرئيس بذراع تنظيمي له امتداد في الشارع التونسي ولكنه خمد بعد اعلان الرئيس عن انه يرفض ان يكون في حزب او زعيما لحزب.رفض جعل «التنسيقيات» الصلبة التي تشكلت قبل 2019 تتراجع عن النقاشات ظرفيا، قبل ان تجد نفسها منذ اسابيع عدة امام حتمية استئناف النقاش وحسمه في هذه المرة.
منذ ان اعلن الرئيس عن دخول البلاد في التدابير الاستثنائية برزت صلب التنسيقيات الحاجة الى «اطار» ينظم عملية التنسيق بين انصار مشروع الرئيس ويهيكل كل تدخلاتها وينظم العلاقة بين الرئيس وقنواتها. ولكنها باتت اشد الحاحا مع تجربة الحكم وأدارك الجميع للواقع المناقض لتصوراتهم.
بتقدم المسار السياسي الذي رسمه الرئيس رفقة افراد من تنسيقياته المقربين منه اتضح ان مشروع البناء القاعدي والديمقراطية المباشرة «غير قابلين للتحقيق» لأسباب عدة يقع اختزالها في اسباب داخلية وهي الرفض المطلق لها وعدم التجاوب معها من الشارع ناهيك عن الاجسام الوسيطة، وخارجيا برفض الدول المانحة والمقرضة ان يقع التراجع عن الديمقراطية التمثيلية والأحزاب.
هنا اصطدم «المشروع» بعائق وهو ان الرئيس واذا فاز بدورة ثانية في الانتخابات الرئاسية وفق دستور يمنحه صلاحيات واسعة فانه سيكون اولا في حاجة الى ذراع تنظيمي يوفر التعبئة الشعبية ويخوض الانتخابات التشريعية بما يمنح الرئيس رافد هاما في السلط لتحقيق مشروعه. وثانيا ان هذه المشروع سيزول بنهاية العهدة الثانية للرئيس ومعه قد يكون كل شيء مهددا.
وقد برزت عند هذه النقطة الحاجة الى ان يتاطر المشروع السياسي في هيكل تنظيمي لإنهاء حالة من التخبط والفوضى التي تشق التنسيقيات وتجعلها اقرب الى مجموعات مغلقة لا يوحدها شيء. للتعزيز الحظوظ للفوز في الانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في 17 ديسمبر 2020.
حاجة تلتقى مع وجود «طلب»، فمن يدافعون عن التنظيم يستندون الى نتائج سبر الاراء التي ابرزت وجود طلب لدى جزء من الناخبيين التونسيين لوجود «حزب قيس» في الانتخابات التشريعية القادمة، واحتلال هذا الحزب المطلوب من الناخبيين المركز الثاني في استطلاعات الراي منذ اوت 2021 الى غاية اليوم.
اياما بعد الاعلان عن تفعيل الفصل 80 من الدستور برز في نتائج سبر الاراء لشهر اوت 2021 بشكل تلقائي لحزب لا يوجد بعد وهو ما يسميه التونسيون بحزب قيس سعيد وقد أعلن %20.1 منهم عن نواياهم في التصويت له في الانتخابات التشريعية .
هذا نقل الجميع الى معطى جديد في الطلب الانتخابي بات فيه حزب قيس سعيد حاضرا لاشهر 5 في المرتبة الثانية في نوايا التصويت رغم تسجيل صعود ونزول في النسبة، لنسجل في اكتوبر2021 ان النسب ارتفعت من عشرين نقطة الى 30 نقطة ثم انخفاضها في نوفمبر 2021 الى د (%21.4)قبل ان نسجل في جانفي الجاري ارتفاعا لتكون النسبة %33 من إجمالي نوايا التصويت المصرح بها .
وجود الطلب على حزب الرئيس وحاجة «انصاره» الى الانتقال من كونهم مجموعات منتنافرة الى كيان سياسي بات محل نزاع بين شق يدفع بحججه الى التنظم وخوض الانتخابات ككيان سياسي وشق يرفض ذلك ويدفع الى ان يطبق المشروع بحذافيره دون تنازلات ومنها التنظم في حزب او حركة.
صراع وان ظل حبيس الجلسات الخاصة والنقاشات المغلقة النظرية الا انه سيجد طريقه الى الفضاء العام بما ينقل الصراعات الداخلية للعلن ومعها سيكون الحسم ملحا اكثر مما.