منفصلا عن ما تحتاجه البلاد فعليا ألا وهو توحيد الازمنة والمسارات لإنقاذ الدولة من انهيار بات في مرمى البصر بسبب تفكيك ازمات البلاد الى ملفات ومعالجة كل واحد منها على انه مسار منفصل.
في نهاية الاسبوع الفارط اعلن الرئيس من مقر وزارة الداخلية عن ان المجلس الاعلى للقضاء في «حكم الماضي» وعلى امتداد اليومين الفارطين، اي الاحد والاثنين تجسدّت كلمات الرئيس في غلق لمقر المجلس الاعلى للقضاء وبإعلان الرئيس امام رئيسة الحكومة انه قرر حل المجلس الاعلى وأنه سيصدر مرسوما في الغرض.
مرسوم رئاسي قال الرئيس انه سيعرض على المجلس الوزاري في اجتماعه يوم الخميس القادم، كما اعلن الرئيس في كلمته امس لدى لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، والذي خصص لضبط جدوال اعمال مجلس الوزراء والمراسيم التي ستصدر عنه، ومنها مرسوم الصلح الجزائي ومرسوم التدقيق في القروض والهيبات.
ثلاثة مراسيم تحدث عنها الرئيس، ولكنه خصص جانبا هاما من كلمته التي امتدت لأكثر من 18 دقيقة للحديث عن المجلس الاعلى للقضاء وعن قرارا حله وأسبابه، ليطمئن الجميع «في تونس وخارجها» الى انه لا نية للرئيس بالهيمنة والتدخل في القضاء. وان قرار الحل الذي اتخذه ليس بهدف ان يتدخل في سير القضايا ولا في المسار المهني للقضاة بل لان الضرورة فرضت عليه ذلك.ضرورة قال انها فرضت بحكم «الواجب والمسؤولية» اللذين يقضيان بوضع حد لتدخل اطارف في القضاء او لتوظيف المرفق القضائي لغايات شخصية او سياسية. وهو رد مباشر على الانتقادات التي وجهت للرئيس نتيجة قراره بحل المجلس الاعلى للقضاء، سواء من قبل منظمات واحزاب تونسية او ردود فعل دولية لشركاء تونس وبالأساس الاتحاد الاوروبي الذي اعرب عن «قلقه» وطالب بان يقع الفصل بين السلط.
سلط ينفى الرئيس عن نفسه انه يسعى لتجميعها بيده، فهو ووفق كلماته لا يريد ذك بل يريد «دستورا يعبر عن ارادة التونسيين وليس دستورا على المقاس» اما السلط فهو لم يجمعها بيده ولا يريد ذلك، لينفق بقية كلمته في الحديث عن المخدرات وكيف انها جزء من مؤامرة ضد تونس وشعبها وموقفه من بعض التفاصيل.
موقف الرئيس الذي عبر عنه امس وقراراه بحل المجلس الاعلى للقضاء، يعلنان بشكل صريح لا لبس فيه ان هامش توحيد الازمنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد تقلص اكثر، فالرئيس وهو يمضي في تنزيل خياراته السياسية يتجاهل عن قصد الدعوات الصادرة اليه من عدة اطراف، منظمات وطنية، او قوى دولية تجعل من الاستقرار السياسي ومعالجة الازمة الحالية جزءا من قائمة شروط دعم البلاد ماليا لتجنب الافلاس.
لكن رغم ذلك يتحرك الرئيس كمن يسعى لفرض الامر الواقع على الجميع، فهو اختار ان يستمر في نهجة الاحادي وان يتجنب الافصاح عن رده على دعوة الاتحاد بان تكون الاصلاحات الاقتصادية والمالية المزمع التعهد بها لصندوق النقد الدولي عنصرا من عناصر خطة اصلاح ينتجها حوار وطني شامل، لا حوارا اقتصاديا بين الحكومة والاتحاد بهدف الحصول على دعمه لخطة الحكومة.
اي ان الاتحاد وجه دعوة مباشرة وصريحة للرئيس بالحوار، وجعل مهرا لهذا الحوار استعداده على دعم خطة الاصلاح الحكومية رغم بعض مؤاخذاته. فكان رد الرئيس الاول على الاقل هو الحفاظ على واقع الهيمنة على المشهد السياسي واحتكار المبادرة فيه.
وهذا يعنى ضمنيا ان الرئيس يستمر في خيار فصل الزمن الاقتصادي عن السياسي، اي انه يريد ان يوزع مسؤولية حل الازمة المالية ولكنه يحتكر القرار في معالجة الملف السياسي. رغم اداركه انه لا مخرج لتونس من نفق الانهيار إلا توحيد المسارين معا.