منذ 25 جويلية وأد حق المواطن في المعلومة : التضليل والتوجيه في مواجهة أزمات البلاد

يوم 25 جويلية قدم رئيس الجمهورية اعلانه عن التدابير الاستثنائية على انه انتصار للشعب ضد نخبة ارست «ديمقراطية معيبة»

اقصت المواطنين من ادارة شؤونهم اليومية، لكن اليوم وبعد مرور اشهر على التدابير الاستثنائية بات جليا ان الرئيس اقصى الجميع من ادارة الشأن العام بمنعه التونسيين من الوصول الى المعلومة.
منع جسّده الرئيس بشكل مثالي في «اللقاء الصحفي» الذي عقده مع نظيره الفلسطيني محمود عباس. اذ عقد اللقاء دون صحفيين. وهو ما برّره وليد حجام مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية بأنه مقاربة جديدة تنطلق من ان الرئيس اجاب على كل الاسئلة التي قد تطرح من قبل الصحفيين دون حاجة إلى ان يقع طرحها.

هذه الواقعة تعكس بشكل مثالي فهم السلطة التنفيذية الحالية. رئاسة وحكومة. لحق المواطن في المعلومة ولدور الصحافة والإعلام في عملية نقل هذه المعلومة وإبلاغها للعموم بهدف توفير مقومات ادارة نقاش عام يتناول قضايا تهم التونسيين بصفة مباشرة او دونها. اذ ان السلطات التونسية الحالية تجسد مقاربة اتصالية تقوم على تلقين المواطن لمواعظ ودروس دون اية معطيات فعلية او حقائق ووقائع والهدف منها توجيههم والهيمنة عليهم. اذ ان الحقائق والوقائع غابت بشكل كلي منذ 25 جويلية وما تم تسويقه على انه كذلك سرعان ما وقع تفنيده وهدم ما سوق على انه حقيقة من قبل رئاسة الجمهورية. ملف الدعم المالي للدول العربية وملف احتكار الحديد على سبيل المثال.

هذه الزلات الاتصالية لم تكن كفيلة بان تجعل الرئاسة تعدل من مقاربتها الاتصالية القائمة على انها في خط مفتوح ومباشر مع الشعب تقدم له ما يناسبه من حقائق ودروس وتحجب عنه ما هو غير مستعد له، في عملية وصاية صريحة على المواطنين وهيمنة كلية على الفضاءات العامة التي منع فيها النقاش.

كلّ هذه سببه ان الرئيس وفي تصوره الخاص يعتبر ان الاعلام والصحافة ادوات توجيه وهيمنة تنتمى الى المنظومة التي يحاربها، وهذا التقييم مستجد اذ كشف عنه بشكل منذ بلوغ الرئيس الى قصر قرطاح اذ كان قبل ذلك منفتحا على الاعلام ومشجعا له لم يتوان عن الادلاء بحوارات وتصريحات في كل المجالات متى وقعت محاورته طوال السنوات العشرة الماضية.

لكن بوصوله لسدة الحكم ضاق صدر الرئيس بالصحافة التي تجاهلها وحرص على ان يكون في اتصال مباشر مع «شعبه» الذي استمر في التسويق له منذ 25 جويلية على ان البلاد غنية بالخيرات والموارد المالية لكنها «منهوبة»، قبل الـ2011 وبعده. وبمجرد ان يقع وضع حد لعمليات النهب المنظمة ستتحسن حياة الناس، فالاموال المنهوبية التي سيقع استرجاعها اضافة الى مشروع قانون الصلح الجزائي التي ينوي اصداره وغيرها من التعبيرات التي تعكس صورة تونس كبلد غني وقعت سرقته من قبل «عصابة».

صورة سوقت ولايزال تسويقها قائما في خطاب الرئيس للاسف، فهو يشدد في كل مناسبة على ان الازمات المالية التي تواجهها البلاد مفتعلة من قبل المنظومة السابقة سواء ازمة تاخر صرف الاجور، او ازمة اختلال المواية العمومية والعجز عن تعبئة موارد مالية من الخارج، او باقي الازمات الاجتماعية والبيئية كلها مفتعلة. ليطمئن التونسيين على ان موارد الدولة تسمح لها بالإيفاء بتعهداتها لنهاية السنة المالية 2021. دون اشارة ولو بسيطة الى ان تونس تواجه ازمة تعبئة 1.9 مليار دولار ما يعادل 5.6 مليار دينار تونسي فقط لغلق موازنة 2021.

كل ما تقدمه السلطات الرسمية اليوم هو خطاب سياسي يتحدث عن المؤامرة وعن «الارادة الشعبية» وتصحيح الثورة، وتسوق ازماتها على انها تعثرات بسيطة ستتجاوزها بدعم الاشقاء والاصدقاء، الذين لم يمنحوا البلاد ولو مليما الى غاية كتابة المقال. وان غاب الاشقاء والاصدقاء فان الشعب سيدعم بلاده ووطنه.

هذا ما تقدم به الرئيس وتحدث عنه في اجتماع مجلس وزاري في نوفمبر الفارط حينما تحدث عن مقاربات غير تقليدية لتجاوز الازمة ومنها فتح باب التبرع للدولة على ان تشرف الرئاسة على هذه التبرعات وتنشر التفاصيل المتعلقة بها بكل شفافية.

شفافية غابت الى حد اليوم لتترك مكانها للغموض والضبابية. خاصة اذا تعلق الامر بالملفات المالية، وهو امر بات كعدوى انتشرت في كل مؤسسات الدولة. فلا الرئاسة تكلمت لتكشف عن واقع الحال ولا الحكومة افرجت عن معلومة ولا وزاراتها ومؤسساتها كشفت عن معطى وحيد حتى حينما يوجه السؤال اليهم. ومن ذلك الاجابة عن الوضعية المالية لديوان الحبوب. اذ مرة اخرى تكشف النقابات في صفاقس عن ان ثلاث بواخر محملة بالقمح اللين والصلب والشعير ترفض افراغ حمولتها التي تقارب 70 الف طن الى ان يقع سداد مستحقاتها، وهي ليست البواخر الوحيدة التي ترفض انزال حمولتها الا عند سداد مستحقاتها، ففي ميناء رادس وميناء قابس ترسو بواخر مشابهة.

هذه ازمة من بين العشرات التي لم قع كشفها للتونسيين او تقديم توضيحات بشأنها بعد ان انتشرت اخبارها، مثل ملف الدواء الذي فقد منه اكثر من 300 نوعا نتيجة الازمة المالية للصيدلية المركزية وتخلد يدون ضخمة لدى ومزوديها المحليين والدوليين.

ملفان فقط من بين عشرات لهم من الاهمية البالغة ما يستوجب تقديم الحقائق للتونسيين وشرح سياسات الدولة المتبعة في معالجتهما، لتجنب كارثة كل المؤشرات تنذر باننا نتجه اليها بخطة حثيثة لن تنجح سياسة التعتيم والتوجيه من قبل السلطات في منعها. بل ان الصمت ومحاولات اخفائها وجعل الامر كانه «مؤامرة» سيشحن المناخات العامة ويهيئ كل شيء لانفجار غير مسبوق تعيشه البلاد التي قد تجابه اسوء ازماتها المالية وما لها من تداعيات ثقيلة على الشارع الذي يقع البحث عن طمأنته بالصمت وكانه كاف لدرء البلاء. هذا التصور الطفولي لمجابهة الازمات القائم على انكارها او الصمت عنها هو ما يشكل خطرا على تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115