اعتمدت خلال العشرية الفارطة. كادراكهما ان الخروج من هذه الوضعية يتطلب دعما خارجيا لن يتحقق دون «توافق داخلي» بات صعب المنال.
لم تعد الازمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد «الخطر» الذي لا تداعيات له على حياة التونسيين ومعاشهم اليومي. اذ تكشف كل المؤشرات عن حجم هذه الازمة وانتقالها من «أروقة» الدولة الى التفاصيل اليومية. نقص في الادوية تاخر في صرف الاجور شمل العاملين في الوظيفة العمومية والقطاع العام وغيرها من المؤشرات التي تكشف عن حجم الازمة.
ازمة لم تكن مقتصرة على المالية العمومية والتوازنات العامة للدولة بل كانت اشمل. اذ انها ازمة اقتصادية ومالية هيكلية. لم يعد بمقدور الدولة التونسية ان تحد من تداعياتها او تقلص من اثارها على الجميع. هذا ما يدركه من هم في الحكم اليوم ومن كانوا قبلهم. وقد عبر الرئيس قيس سعيد يوم امس في لقائه بوزيرة التجارة ان «خزينة الدولة تنقصها المليارات « وهم يكتنزون المليارات في اشارة الى المحتكرين والمضاربين.
الإقرار بوجود أزمة بشكل صريح والقول بأن خزينة الدولة في حالة عجز لم يمر دون الاشارة الى ان الازمات «خلقت» باعتبار ان الازمات تدار بالازمات، ليشدد ارئيس على انه «يصارح الشعب بالحقيقة» والحقيقة ان البلاد وطوال السنوات الفارطة، سيما بعد 2011 تأخرت كثيرا في الانكباب على الملفات الاقتصاد والمالية وجعلها أولوية. وهي اليوم تكرّر ذات الخطإ بان جعلت الملف السياسي سابقا للاقتصادي والمالي. ولم يقع تدارك الامر الى حد اليوم مما دفع بالمؤسسات المالية الدولية والداعمين الماليين والاقتصاديين لتونس يربطون دعمهم بالانطلاق في الاصلاحات.
هذا الربط بين الدعم والانطلاق في الاصلاحات، اتخذ منذ 2016 اشكالا عدة قبل ان يصبح اشتراطا صريحا ومباشرا مع حكومة المشيشي المقالة، اذ ان صندوق النقد الدولي اشترط خطة اصلاح واضحة وصريحة تحظى بدعم المؤسسات والمنظمات الاجتماعية في تونس.
شرط طرح مرة اخرى منذ ايام، وهذه المرة من قبل نائب مساعد وزير الخزانة المكلف بإفريقيا والشرق الأوسط، إريك ماير الذي -بشكل صريح ومباشر- ابلغ وزيرة المالية سهام البوغديري ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي. «أن تنفيذ هذه الإصلاحات يمثل أساس استمرار الدعم الاقتصادي القوي من قبل شركاء تونس الدوليين. بما في ذلك الولايات المتحدة « في اشارة صريحة إلى ان الدعم سيكون مقترنا بالانطلاق في الاصلاحات التي يعتبرها شركاء تونس الحل الوحيد لتجنب المزيد من تدهور المالية العمومية.
اصلاحات تطرق اليها ماير في لقائه بالمسؤولين الحكوميين التونسيين. وفق بلاغ السفارة الامريكية الذي جاء فيه ان مساعد نائب وزير الخزينة الامريكي «حث الحكومة التونسية على اتخاذ إجراءات بشأن مجموعة الإصلاحات الهيكلية اللازمة لوضع الاقتصاد التونسي والمالية العمومية على مسار مستدام وإرساء أسس النمو وخلق مواطن شغل تتيح فرصا لجميع التونسيين»
كما ان هذه الاصلاحات يجب ان تكون نتاج حوار اقتصادي بناء وبمشاركة الأطراف التونسية الفاعلة. وهنا يتضح جليا ان الدعم لم يعد مقترنا بتقديم الدولة التونسية ممثلة في سلطتها التنفيذية بتعهدات بالإصلاح بل بان تكون لها خطة معلنة للإصلاحات تحظى بقبول من المنظمات والفاعلين الرئيسيين في المشهد التونسي.
هذا الشرط أساسي والعقبة الاكبر امام الرئاسة والحكومة، ذلك أن الإصلاحات التي سيقع الكشف عنها سواء عبر الوثيقة التوجهية التي ستقدمها الدولة التونسية لصندوق النقد الدولي وتتضمن الاصلاحات التي تعتزم حكومة بودن الانطلاق فيها، او في قانون مالية 2022 سيكشفان عن الصورة العامة لخطة الاصلاحات الهيكلية الكبرى، والتي قد تختزل في تحرير المنافسة الاقتصادية والتحكم في كتلة الاجور عبر تجميد الزيادات ووقف الانتدابات اضافة الى التحكم في نفقات الدعم وغيرها من الاصلاحات «غير الشعبية».
وهنا تكمن العقدة، فالرئيس الذي عزل نفسه عن انصاره من احزاب ومنظمات واعتمد فقط على رصيد شعبيته قد يجد نفسه امام غضب شعبي نتيجة اصلاحات موجعة لن تصمت المنظمات عنها. مما يعنى انه امام حتمية اعتماد سياسات جديدة تضمن له قدرا كافيا من تسويق هذه الاصلاحات في الشارع وهذا لن يكون ممكنا دون دعم المنظمات الاجتماعية في تونس وبالاساس اتحاد الشغل.هنا تصبح الكرة في ملعب الرئيس.
شركاء تونس يشترطون الاصلاحات الاقتصادية لمواصلة الدعم : رضا الشارع والمنظمات ... قيس سعيد والمعادلة الصعبة
- بقلم حسان العيادي
- 11:09 25/11/2021
- 860 عدد المشاهدات
يبدو ان رئيس الجمهورية ومن خلفه الحكومة باتا يدركان مدى دقة الوضع المالي الذي تمر به تونس نتيجة سياسات خاطئة