واللافت فيها انحسار جبهة الداعمين للرئاسة مقابل توسع الرافضين لخياراتها والمعارضين لها.
لم يستمر الزخم الاول لاجراءات 25 جويلية طويلا ذلك ان رئاسة الجمهورية وعلى امتداد الاسابيع الاولى من الاشهر الثلاثة الماضية حرصت على ان تطلق ما اسمته بعملية الفرز، فرز تقدمه الرئاسة على انه محاولة منها للتمييز بين من يدعم خياراتها السياسية الثورية وبين من يعارضها لاسباب عدة.
فمن هم مع الرئاسة ومع تصورات الرئيس هم «الوطنيون الصادقون» ومن هم ضدها تكال لهم أوصاف عدة وتشمل كل المعاجم، ولكن الاهم من حدّة الخطاب الصادر عن الرئاسة الذي كال النعوت والتهم لخصومه وصورهم على انهم العدو المباشر للشعب. نجحت سياسات الرئيس في ان تدفع الى بروز اصناف عدة من المعارضين له.
وقد كانت الاغلبية الحاكمة، النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، اول من شكل جبهة المعارضين والرفضين لخيارات 25 جويلية واعتبرت ذلك انقلابا فخروجا عن الدستور، وقد تشكلت خلال الاسابيع الفارطة معارضات للرئيس ولسياساته مقابل انحسار انصاره.
معارضات تجمعها فقط مسألة رفض 22 سبتمبر 2021 تاريخ اصدار الامر الرئاسي 117 وليس 25 جويلية الذي لا تعترض عليه الا الاغلبية البرلمانية السابقة وهذا يكشف لنا عن تعثر السياسات المتبعة من الرئاسة اذا ما تعلق الامر بجمع الانصار ومحاولة تخفيف المخاوف من انحرافات نجحت في النهاية في توسيع قاعدة الرافضين.
رافضون من بينهم الحزب الحر الدستوري الذي لا يعترض على 25 جويلية بل على عدم اقدام الرئاسة على خطوات هامة من وجهة نظره وهي في علاقة بصراع الدستوري الحر مع النهضة، من هذا المنطلق تمددت اسباب الرفض والمعارضة لتصل الى اعتبار ان الرئيس يقف على يمين النهضة يمثل نوعا جديدا من الاسلام السياسي.
هذا التصنيف يخص فقط الدستوري الحر الذي لم ينجح في صناعة تحالفات او جبهات مع باقي الرافضين والمعارضين، منهم التيار واحزاب سياسية اخرى جعلت الامر الرئاسي عدد 117 سبب القطيعة بينها وبين الرئاسة لما اعتبرت انه تكريس لنظام سلطوي وبحثا عن الانفراد بالحكم.
معارضو الرئيس من الاحزاب وان كانوا يمثلون طيف واسعا من العائلات السياسية الا انهم ليسوا من اشد معارضيه بل كذلك المنظمات والشخصيات الاعتبارية التي تعددت في الفترة الاخيرة عرائضها المدينة لسياسات الرئيس.عرائض تعلقت بالحريات وبمحاكمة المدنيين امام محاكم عسكرية واخيرا تطرقت لما تعتبره سعيا من الرئاسة لوضع اليد على القضاء.
عرائض تكشف عن ان الزخم انحسر عن الرئيس، وهذا ما كشفته نسب نتائج سبر الاراء كذلك ولو بشكل بسيط يتعلق بخسارة نقاط محدودة في نسب الثقة او في نوايا التوصيت.
لكن ورغم كل هذه المؤشرات التي تبين ان الرئاسة انطلقت في تجربة انحسار الشعبية وخسارة الدعم السياسي والمجتمعي، يبقى المعارضون والرافضون لسياسات الرئيس غير قادرين على تشكيل جبهات منظمة توحد بين مجموعات منهم، والسبب يتمثل في ان التناقضات بينهم اشد من تناقضاتهم مع «الرئيس».
تناقضات ستكون حاضرة بشدة لتحول دون تشكل جبهة عمل او معارضة في الاسابيع القادمة لتعديل المسار او دفع الرئاسة الى تغيير بعض من سياساتها خاصة اذا ما تعلق الامر بمسار الحوار واطلاق الاصلاحات السياسية.