أزمة المالية العمومية في تونس: هل يحمل خطاب الرئيس بوادر الحل؟

في لقاءاته الاخيرة مع رئيسة الحكومة ومع محافظ البنك المركزي قبلها حرص رئيس الجمهورية قيس سعيد على ان يقدم ما يمكن اعتباره «خطوطا عامة» للسياسات المالية القادمة،

دون تفصيل يبين ان الصورة باتت واضحة لدى مؤسسات الدولة التي أصبحت تتحدث عن التقشف والعدالة الجبائية بشكل مكثف في هذه الايام.
في البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية اول امس الثلاثاء ورد ان الرئيس وفي لقائه مع نجلاء بودن رئيسة الحكومة تطرق الى مسائل متصلة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وانه أكّد على ضرورة التعويل على القدرات الوطنية قبل البحث عن موارد من الخارج.
ذلك ما قام به قبل ذلك في لقائه بمحافظ البنك المركزي مروان العباسي حينما شدد امامه على ضرورة «التعويل على النفس» في تعبئة الموارد الضرورية للميزانية التكميلية 2021 ولميزانية 2022.
موارد ذاتية والتعويل على النفس لتعبئة حاجياتنا المالية لم يقع شرح القصد منها في لقاءات الرئيس بل ظل خطابا عاما دون تفاصيل تبين الهدف من هذه العبارات التي يمكن تأويلها لاستنتاج فرضيات ممكنة. منها سن ضرائب جديدة او دعوة البنك المركزي الى اصدار اوراق نقدية جديدة وغيرها من الفرضيات ذات التاثير السلبي على الاقتصاد التونسي.
كلمات الرئيس التي تتعلق بالمالية وبالاقتصاد تأتي لتضفي الغموض على المشهد في ظل صمت مطلق من وزارة المالية والحكومة برمتها عن التوجهات القادمة للبلاد وملامح قانون ماليتها لسنة 2022.
قانون مالية لا يعلم عنه غير ما يقوله الرئيس من توجهات كبرى، اولها التعويل على النفس وثانيها الدعوة إلى التقشّف في المال العام. دون شرح كيفيته واي مجالات سيشمل. خاصة وان هذه الدعوة وجهت الى الشعب الذي يشدّد سعيد على ضرورة أن «يشعر جميع المواطنين بأنهم معنيون بالسياسات التي تنتهجها الدولة» أي انهم سيكونون مدعوين للتقشف.
دعوة سبق ان وجهها الرئيس في لقائه مع مروان العباسي، اذ جاء البلاغ الخاص باللقاء ليعلن ان سعيد أكّد في لقائه مع المحافظ «على ضرورة طمأنة التونسيين

والتقشّف في التصرّف في المالية العمومية حتى لا تُصرف الأموال في واردات لا حاجة لتونس إليها في هذا الوقت بالذات».
بمحاولة قراءة معنى التقشف لدى الرئيس وفق ما ينشر عن رئاسة الجمهورية من بلاغات يتضح ان القصد المرجح بقوة هو «ترشيد الاستيراد»، اذ ان كلمات الرئيس سواء لرئيسة الحكومة او لمحافظ البنك تبين ان اولى خطوات التقشف تتعلق بالتحكم في الميزان التجاري بهدف تقليص العجز عبر الحد من استيراد بعض السلع والمواد التي يعتبرها الرئيس من الكماليات او غير ضرورية وتثقل التوازنات المالية.
تقشف يبدو انه لن يشمل نفقات الدولة، في الاجور او في نفقات التصرف، بل سيكون وفق ما يستشف من خطاب الرئيس محاولة لترشيدها والتحكم في ما يعتبره الرئيس اهدارا للمال العام ضمن مقاربة تقوم على ان البلاد غنية ولها من الامكانيات المالية الكثير ولكن الفساد وسوء التصرف حالا دون ان تستغل البلاد مقدراتها وثرواتها.
أي ان الرئيس وفي مقاربته الاقتصادية والمالية، يجعل السياسي متقدما على التقني والمالي. وهذا ما قد يفسر معنى المصطلحات التقنية التي يستخدمها الرئيس بشكل ومعان مختلفة عما هو شائع. كالتقشف والتعويل على الذات، الذي يبدو انه يعنى ايضا استخلاص ديون الدولة وتحسين عملية التعبئة الجبائية واسترجاع الاموال المنهوبة.
هذا ما قد يفاقم غموض السياسات الاقتصادية والمالية مع كل محاولة للرئيس لرسم الملامح العامة لهذه السياسات. اذ انه يضيف إلى العنصرين السابقين. عنصرا ثالثا وهو «العدالة الجبائية» التي شدد على انه سيقع تطبيقها في قانون المالية التكميلي 2021 وفي مشروع قانون المالية 2022.
عدالة جبائية لا تقدم ملامحها او كيف سيقع تحقيقها وهل ستكون عبر فرض ضريبة على الثروة او اعتماد سلم جبائي تصاعدي، أي ان ترتفع نسبة الضرائب مع ارتفاع الدخل. فقط ما يقدم كلمات عامة دون سياسات واضحة تشرح توجه البلاد.
ما يقدمه الرئيس من تصورات مالية واقتصادية في خطاباته يكشف عن عنصرين اساسيين الاول ان الرئيس كما سبق واكد لا معرفة له باسس الاقتصاد والمالية وثانيها انه لا وجود لتصور مكتمل لديه يتعلق بالجوانب المالية والاقتصادية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115