في الرائد الرسمي ليعلن عن دخول البلاد مرحلة الاحكام الانتقالية التي تحدث عنها الرئيس في كلمته يوم الاثنين الفارط في ولاية سيدي بوزيد التي اشار فيها الى ما يمكن اعتباره اعلانا عن الخروج الجزئي من الدستور.
تسارعت امس خطوات رئاسة الجمهورية اذ بمجرد مرور ساعتين من صدور بلاغ عن الرئاسة تعلن فيه ان الرئيس اصدر امرا رئاسيا يتعلق بالتدابير الاستثنئاية وصدرت هذه التدابير مفصلة في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد86 لسنة 164 الصادر امس الاربعاء 22 سبتمبر 2021.
وقد نشر الامر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، وذلك بعد ان اعلن بلاغ الرئاسة ان الرئيس قرر مواصلة العمل بتعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه وإلغاء كافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس المجلس وأعضائه.
كما تعلق الامر الرئاسي باحكام التدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وتحديد ابوب الدستور التي علق العمل بها، وقد استثنيت منها التوطئة والبابين الأول والثاني منه وجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع مضمون التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.
بلاغ ذكر خمس نقاط من الامر الرئاسي وترك عملية تقديمه لنشر الامر في الرائد الرسمي وهو ما تم مساء امس عبر الامر الرئاسي عدد 117، الذي استهل بديباجة اعلنت فيها الرئاسة عن مسوغاتها الدستورية والقانونية لاصدار الاحكام الانتقالية.
اذ تضمن الامر اشارة صريحة بان دستور 2014 نص على أن الشعب هو صاحب السيادة واذا تعذر «على الشعب التعبير عن إرادته وممارسة سيادته والتعبير عنها في ظل الأحكام الدستورية السارية، تُغلّب السيادة على الأحكام المتعلقة بممارستها» في اشارة الى علوية سيادة الشعب على الدستور وأحكامه.
ولان الشعب التونسي عبر في اكثر من مناسبة عن رفضه للآليات المتعلقة بممارسة السيادة وطرق التعبير عنها، كما ان دواليب الدولة تعطلت وبات الخطر واقعا خاصة داخل مجلس نواب الشعب، فانه قرر تفعيل سيادة الشعب من منطلق انه «إذا تعارض المبدأ مع الإجراءات المتعلقة بتطبيقه يقتضي ذلك تغليب المبدإ على الأشكال والإجراءات» وبهذه العبارات اعلن ضمنيا عن تعليق العمل بأبواب كاملة من الدستور وإضفاء شرعية سيادة الشعب على القرارات الواردة في الامر الرئاسي الذي ورد في اربعة ابواب.
اولها باب الاحكام العامة التي جدد من خلالها تعليق اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وسحب امتيازاتهم فيما ترك امر تفصيل كيفية ادارة المرحلة الانتقالية الى البابين الثاني والثالث المتعلقين بالتدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية والتدابير الخاصة بممارسة السلطة التنفيذية.
ليعلن ان «النصوص ذات الصبغة التشريعية تصدر في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وذلك بعد مداولة مجلس الوزراء.» أي ان الرئيس باتت له صلاحية اصدار المراسيم التي تشمل جملة من المجالات ولا يحدها الا « مراسيم النيل من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة بالمنظومة القانونية الوطنية والدولية». كما ان هذه المراسيم وفق الفصل 7 من الامر الرئاسي «لا تقبل الطعن بالإلغاء».
وقد حدد الفصل الخامس المجالات التي يشملها اصدار المراسيم الرئاسية ومنها تنظيم القضاء والاعلام والصحافة والنشر وتنظيم الاحزاب والنقابات والجمعيات وتنظيم الهيات الدستورية اضافة الى انها تشمل عملية المصادقة على المعاهدات وقانون الميزانية وختمها. مراسيم حددت الرئاسة انها ستشمل الأساليب العامة لتطبيق الدستور، والقانون الانتخابي والتعين في الوظائف العليا.
ومن تحديد مجالات المراسيم ينتقل الى الباب الثالث المتعلق بتدابير ممارسة السلطة التنفيذية الى رسم ملامح هذه السلطة التي منح فيها الرئيس صلاحيات تعيين الحكومة ورئيسها اضافة الى عزلها، كما انه هو من يضبط سياستها العامة واختياراتها الأساسية. حكومة منحت لها صلاحيات «تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية « كما انها مسؤولة امامه فقط. وبهذا يعلن الرئيس عن انهاء منظومة حكم 2011 رسميا وتغيير نظام الحكم في تونس ليصبح رئاسيا.
ولا يقف الامر الرئاسي عند مستوى تنظيم السلطات بل رسم ملامح المرحلة القادمة في باب الاحكام الختامية التي اعلن فيها ان الرئيس هو من سيتولى «إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية» وانه سيستعين بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي.
وشدد على ان هذه الاصلاحات يجب أن تهدف إلى تأسيس «نظام ديمقراطي حقيقي» يكون فيه الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة نواب منتخبين أو عبر الاستفتاء ويكرس دولة القانون ويضمن الحقوق والحريات العامة والفردية وتحقيق أهداف ثورة 17 ديسمبر 2010 على ان تعرض على الاستفتاء للمصادقة عليها.
امر رئاسي جاء عقب اقل من 36 ساعة عن كلمة الرئيس في سيدي بوزيد التي تعهد فيها بالبقاء في اطر الدستور وانه لا يعتزم تعليق العمل به، ولكن مضمون الامر وخاصة الاشارة الصريحة الى ان الاحكام الدستورية التي تتعارض مع مضمون الامر الرئاسي وهو ما نص عليه الفصل 20 منه باشارته الى ان «يتواصل العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه، وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع أحكام هذا الأمر الرئاسي.» مما يعنى ان الامر الرئاسي بات في مرتبة اعلى من الدستور وهو ما قد يفهم منه خروج -وان كان جزئيا- من الدستور وتعليقا له.