وبذلك تكون الرئاسة قد حسمت ما كان معلوما وهو نهاية برلمان 2019 بصيغته الحالية وإنهاء وظيفته.
نشرت رئاسة الجمهورية اول امس قبيل منتصف الليل، بلاغا اعلاميا اعلنت فيه ان الرئيس قيس سعيّد اصدر « أمرا رئاسيا يقضي بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه. وذلك إلى غاية إشعار آخر»مع الاشارة في نهاية البلاغ الى ان الرئيس سيتوجه في الأيام القادمة ببيان إلى الشعب التونسي.
بلاغ مقتضب اعلنت بموجبه الرئاسة وبشكل نهائي عن نهاية مجلس نواب الشعب، فالرئاسة ولئن اكتفت بالإعلان عن انه تم التمديد في الاجال الى اشعار اخر فانها وبشكل ضمني اعلنت عن ان المجلس في حكم «المنّحل» سياسيا في انتظار تحديد كيفية حله قانونيا. ذلك ان الرئيس الذي قرر ان يمدد العمل بالإجراءات الاستثنائية حرص على الاشارة ان هذه الاجراءات متعلقة بـ«تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن كل اعضائه»، وهو الاعلان الصريح عن ان البرلمان بتركيبته الحالية وتوزيع مقاعده بات في حكم الماضي.
وبذلك فإن الرئيس الذي كان يعتزم وفق بلاغه بالتوجه للشعب بكلمة، بعد ان كان من المقرر التوجه بها يوم امس، اغلق الباب نهائيا امام المنادين بعودة اشغال البرلمان وفق صياغات وترتيبات يعتبر أنها تنسجم مع تصور الرئيس، من ذلك اقتراح الاستناد لتقرير دائرة المحاسبات واسقاط القائمات الفائزة بمقاعد في المجلس والتي ثبت تحصلها على تمويل اجنبي، وهو ما يقترحه التيار الديمقراطي.
مقترح كان الرد عليه في بلاغ الرئاسة صريح، وهو الرفض وتابيد عملية «تجميد البرلمان» وسحب كل اختصاصاته منه، وهنا لم يكن الرد موجها فقط للتيار بل لحركة النهضة التي اقترحت باشكال عدة وصياغات مختلفة على الرئيس الوصول الى مفاهمات بمقتضاها يعود البرلمان مقابل «مرونة في الادارة» والقصد هنا الايحاء باستقالة رئيس الحركة راشد الغنوشي من ادارة البرلمان.
مقترحات ومطالب توجهت بها احزاب وكتل برلمانية كان الهدف منها ايجاد صياغة بمقتضاها يعود مجلس النواب لنشاطه، كلها جوبهت بشكل رسمي ومباشر بالرفض عبر بلاغ مقتضب. اقتصر على التلميح لا التصريح بان البرلمان وتركيبته الحالية وتوازناته قد انتهي.
فالرئيس الذي شدد في اكثر من مناسبة انه لا عودة الى ما قبل 25 جويلية حسم في بلاغه الجدل السياسي في البلاد واعلن بشكل ضمني ان البرلمان «حلّ» وانفرط عقده. دون ان يعلن عن كيفية ادارة البلاد في ظل فراغ تشريعي سينجم عن تجميد اختصاصات المجلس.
الصمت والغموض هنا، ليسا مطلقين، فالرئيس سبق له ان اعلن في زيارته لمطار تونس قرطاج عن خططه التي تتضمن غلق قوس البرلمان وانهاء وجوده السياسي في البلاد مع الاشارة الصريحة إلى أنه في طور صياغة «تنظيم» يعبر عن ارادة الشعب وتطلعاته، وهذا توصيف الرئيس لخطوته المتعلقة بإصدار قانون مؤقت لتنظيم السلطة العمومية.
الرئيس وان كانت ملامح خطته اتضحت فانه لازال حريصا على ان يحيطها بهالة من الغموض، خاصة إذا تعلق الامر بالمواعيد والإجابات الصريحة عن تفاصيل هذه الخطة التي يشدد دائما على انها «خارطة الشعب» التي سيلتزم بها.
خارطة تتضح يوما عن يوم في بنودها العريضة، ومنها ان الرئيس ومنذ اعلانه عن تفعيل الفصل 80 من الدستور حسم امر البرلمان، وما خطواته وتحركاته خلال الايام الفارطة الا تفاصيل تؤكد هذا الحسم، من بينها ان الرجل رفض لقاء كل الاحزاب وقادتها وخاصة تلك التي لها تمثيلية في البرلمان الحالي، وهذا معناه انه حسم امر البرلمان بكل تركيبته ووظيفته.