قهوة الأحد: ولا تنسوا الاقتصــــــــــــاد

جاءت القرارات الاستثنائية للسيد رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية لتضع حدّا للأزمة العميقة التي عاشتها بلادنا منذ سنوات على جميع المستويات السياسية

والاقتصادية والاجتماعية .فقد اثبت النظام السياسي الموروث من دستور 2014 فشله وعدم قدرته على إيجاد حوكمة عقلانية للمؤسسات والسلطة السياسية .فعاشت بلادنا على وقع الخلافات والصراعات بين مختلف السلط والتي حكمت على النظام السياسي بالشلل .
كما عرف الجانب الاقتصادي تراجعا وتدهورا كبيرين خيما بضلالهما على قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية. وأصبح سيناريو الذهاب إلى نادي باريس وإعادة هيكلة الديون يشكل هاجسا مخيفا لكل المتابعين للشأن الاقتصادي والمالي.
كما شملت الأزمة الجانب الاجتماعي حيث واصل التهميش والبطالة ارتفاعهما دون أن تعرف الأزمة الاجتماعية تراجعا منذ الثورة .

وقد زادت الجائحة الوضع تأزما وإحباطا في الأشهر الأخيرة لتعرف بلادنا ارتفاعا كبيرا في عدد الوفايات نتيجة تفشي فيروس كورونا وعجز السياسات العمومية عن التصدي لها في الأشهر الأخيرة .
وقد كانت هذه الأزمات وراء الكثير من الإحباط وانهيار الثقة في مؤسسات الدولة وقدرتها على إنجاح المسار الديمقراطي .
وجاءت في هذا الإطار قرارات رئيس الجمهورية لتوقف هذا الانهيار وتفتح إمكانية الخروج من الأزمات السياسية ومن العجز الذي عاشته بلادنا في السنوات الأخيرة .
وقد جاء نجاح أيام التلقيح المفتوحة ليعطي سردية ويثبت قدرتنا على ضبط السياسات العمومية الناجحة .
إلا انه وفي نفس الوقت ازدادت وضعية الاقتصاد الوطني سوءا بسبب غياب السياسات الكفيلة بخلق ديناميكية اقتصادية جديدة وبناء نمط تنمية جديد قادر على القطع مع نمط التنمية المتهرئ المهيمن منذ بداية سبعينات القرن الماضي .
ويدفعنا عمق الأزمة الاقتصادية والمالية إلى الوقوف عند العلاقة الهامة والجدلية بين الاقتصاد والسياسي .إذ لا يمكن للوضع الاقتصادي أن يتحسن في ظل وضع سياسي مترد .كما أن أمل الإصلاح السياسي والخروج من أزمة المنظومة الموروثة من دستور 2014 لا يمكن أن يختفي إذا لم نكن قادرين على مواجهة الأزمة المالية الخانقة وتفادي شبح الإفلاس والانهيار المالي .

وقد أشارت الأرقام والمؤشرات الأخيرة إلى تواصل تدهور الوضع الاقتصادي وتراجعه الخطير.وهذا يتطلب تشكيل حكومة تكون مهمتها الأساسية وضع حد لهذا التدهور وبداية تحقيق الاستقرار المالي للدولة التونسية .كما أن الانطلاق في الإصلاح يتطلب شروطا مهمة لنجاحه ومن أهمها إصلاح الوضع السياسي والرؤيا الشاملة والواضحة لإعادة بناء المنظومة السياسات في إطار يضمن الحقوق والحريات.فالمساران مرتبطان شديد الارتباط ونجاح أحدهما ينعكس إيجابا على الآخر .

• مظاهر تراجع الوضع الاقتصادي
شكلت الأزمات الاقتصادية وعجز مختلف الحكومات عن بناء نمط تنمية جديد أحد التحديات الأساسية التي ساهمت في تعثر مسار التحول الديمقراطي منذ 2011.ولئن دخلت بلادنا في مرحلة نمو ضعيف وعجز عن تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الهامة منذ 2019 إلا أن الأزمة الصحية شكلت الشعرة التي قطعت ظهر البعير والتي أدخلت بلادنا خلال السنتين الماضيتين في دوامة أزمة مالية لم نعرف مثيلا لها منذ الاستقلال والتي تنذر بانهيار مالي .

وقد أشارت المؤشرات الأخيرة إلى تواصل تدهور الوضع الاقتصادي وانخرامه مما سيؤثر بطريقة أهم من السابق على الوضع السياسي ومسارات إعادة بناء المنظومة السياسية .

وذلك أن المؤشرات تشير إلى تواصل تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي عديدة.وسنتوقف في هذا المقال على مؤشرات كبرى وأساسية للوقوف على حساسية الوضع الاقتصادي والمالي للدولة وقدرته على التأثير سلبا على محاولات الإصلاح في مجالات أخرى .
-جملة المؤشرات الأولى تهم قدرة اقتصادنا على خلق الثروة أو النمو .فقد عرفت نسب النمو في بلادنا تراجعا منذ سنة 2019 حيث لم تتجاوز %1.4 .وكان للانعكاسات الاقتصادية والمالية للجائحة تأثير خطير على مسار خلق الثروة في بلادنا حيث عرف النمو انهيارا لم نشهد مثيلا له في تاريخنا الحديث ليبلغ %9.2- سنة 2021.وكنا انتظرنا عودة سريعة للنمو

في السنة الحالية - كما عرفت ذلك - اغلب بلدان لعالم والعديد من البلدان العربية إلا أن فشل سياسة مقاومة الجائحة كذلك الموجة الأخيرة التي عشناها والتي الى جانب انعكاساتها على حياة الناس كانت لها تأثيرات كبيرة على وضع النمو وخلق الثروة .
فقد تواصل النمو السلبي في بداية السنة وأشارت الأرقام الأخيرة للمعهد الوطني للإحصاء إلى تواصل هذا الوضع الصعب وتراجع نسب النمو.فالتحسن الذي عرفه النمو في الثلاثي الثالث والذي وصل إلى %16.2 تحسن تقني وانعكاساته على ارض الواقع وفي ميدان خلق الثروة محدودة إن لم تكن منعدمة.ويبقى النمو في الثلاثي الثاني سليبا مقارنة بالثلاثي الأول ويمثل %2-.

ويبقى الأهم في هذه الأرقام ومؤشرات خلق الثروة مواصلتها في نفس النسق حتى نهاية السنة ليبقى مستوى الناتج والثروة في بلادنا دون المستوى الذي عرفناه سنة 2019.
وسيكون لهذا التراجع الكبير في النمو انعكاس خطير ومهم على التوازنات الكبرى للدولة .

والتي تهم جملة المؤشرات الأخرى لتردي الوضع الاقتصادي والمالي للدولة وتدهور التوازنات المالية لبلادنا.وأول هذه التوازنات يهم المالية العمومية حيث سيصل عجز المالية العمومية في نهاية هذه السنة نسبة %9.6 - من الناتج القومي .وستكون لتدهور العجز انعكاسات كبيرة على المالية العمومية تتطلب تعبئة موارد أكبر لميزانية الدولة وقد أشار قانون المالية لسنة 2021 الى أن حاجيات الدولة تصل إلى 18.7 مليار دينار منها 13.1 مليار دينار من الخارج .

وسيكون تزايد العجز وتغير الفرضيات الاقتصادية التي بنيت عليها الميزانية وراء ارتفاع حاجياتنا المالية والتي ستكون بين 23 مليار و24 مليار دينار لسنة 2021.
وسيكون الانخرام الكبير لميزانية الدولة وراء تزايد المديونية والتي ستتجاوز %80 من الناتج وستتطلب جهودا كبيرة لتعبئة حاجياتنا .

وفي رأيي ستشكل أزمة المالية العمومية التحدي الأساسي لجملة الإصلاحات الاقتصادية وحتى السياسية منها.وفشلنا في إيجاد الحلول سريعا لهذه الأزمة سيقود البلاد إلى نفق يصعب الخروج منه .

• أما جملة المؤشرات الأخرى فتهم الجانب الاجتماعي وقد أشارت الأرقام الأخيرة لمعهد الإحصاء إلى تنامي البطالة التي وصلت إلى أرقام قياسية في مستوى %17.9- وهذه الأرقام على أهميتها لا تختزل عمق الأزمة الاجتماعية وحالة الانتظار التي تعرفها الحركات الاجتماعية والجهات المهشمة في بلادنا والتي تتطلب حلولا عاجلة لإعادة الأمل .
-وتخص الجانب الرابع علاقتنا مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية بشكل عام.
وقد عرفت بلادنا تأخيرا كبيرا في هذا المجال وفي ضبط برامج تعاون مع هذه المؤسسات تأخذ بعين الاعتبار خصوصية تجربتنا الاقتصادية والسياسية .وسيزيد الوضع المؤسساتي الذي نعيشه في تعقيد هذه العلاقة وتأزيمها.ولابد أن نأخذ بعين الاعتبار في هذا المجال أن إعادة هذه العلاقة وبناء برامج تعاون واقعي نكون قادرين على تطبيقها سيكون لها تأثير كبير على الوضع السياسي.

• أما الجانب الخامس فيهم تردي التقييم السيادي لبلادنا والذي عرف تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة نتيجة تردي الوضع الاقتصادي.ولابد لنا من الاهتمام بهذا الجانب والخروج تدريجيا من النظرة السلبية لبلادنا .
ونحن في خضم النقاش حول مستقبل المنظومة السياسية لابدّ لنا من الاهتمام بالجانب الاقتصادي وإعطائه المكانة التي يستحقها.وهذا يتطلب تحديد البرامج والرؤى والتصورات للخروج من الأزمات المتعددة المحافظة ودعم علاقة الثقة بين الدولة ومؤسساتها في نفس الوقت وتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين في الداخل والخارج .ويتطلب تنامي الاقتصاد ورجوعه إلى سالف نشاطه وحيويته رؤيا سياسية واضحة المعالم ترتكز على احترام الحقوق والحريات وتجعل منها أساس مواصلة تجربة التحول الديمقراطي في بلادنا .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115