تحت اقدام الجميع وان حساباتهم ليست دقيقة إذا ما تعلق الامر بقدرتهم على النجاة وتحقيق مغانم سياسية في ظل اقتراب البلاد من حصول انفجار اجتماعي لا احد يعلم الى اين سينتهي.
في الطبيعة كما في مختلف اوجه الحياة هناك قواعد تحكمها وهي لا تتغير واذا حصل ذلك فانه نادر. منها ان تكرار الازمات السياسية والاقتصادية وتواترها دون معالجتها قبل بلوغها ذروتها يولد «الانفجار» ، وتنزيل هذا على الواقع التونسي يبين ان الازمات التي نعيشها منذ اكثر من نصف سنة باتت عصية عن الحل وهي اقرب الى توليد انفجار.
فمنذ جانفي الفارط ومع اشتداد الصدام بين رئاسة الجمهورية والاغلبية البرلمانية من ناحية والحكومة من جهة أخرى دخلت البلاد في مربع الازمة السياسية والمؤسساتية. وظلت حبيسة رغبة المتناحرين في حسم الامور بشكل كلي ونهائي لصالحهم عبر كسب الوقت والمناورة.
رغبة يستبطنها رئيس الجمهورية والأغلبية البرلمانية التي تقودها حركة النهضة. مما ادى في النهاية الى ان يقع اهدار الوقت في المناورات السياسية وألعاب الشد والجذب التي انتهت بتقليص مساحات الالتقاء واهدار المخارج التي توفرت للطرفين لانهاء الصراع السياسي بشكل يحفظ مؤسسات الدولة ووجودها.
واليوم وبعد مرور قرابة نصف السنة على انفجار ازمة التحوير الوزاري ودخول البلاد في عصر تناحر المؤسسات وتعطيل شبه كلي لاجهزة الدولة وأدواتها التنفيذية والتشريعية وانعكاس هذا الامر على الازمة الصحية التي تعيشها تونس جراء انشار العدوى بالكورونا وبلوغ المنظومة الصحية مرحلة الارهاق مع بنية تحتية صحية مهترئة غير قادرة على استيعاب المرضى وتقديم الرعاية الضرورية لهم.
هذه الازمة التي حصدت الى غاية امس أرواح اكثر من 16 الف تونسية وتونسي وخلقت حالة من الرعب الذي ولد ردود افعال متعددة ولكنها متجانسة اذا وقع التدقيق فيها، فهي تعكس تمردا واستبطانا لانهيار الدولة وصورة سلبية لمن هم في الحكم والذين يتحملون مسؤولية ما الت اليه الامور وهذا كلها مزيج يولد الغضب.
وخلف هذا توجد الازمة الاقتصادية والمالية المتخفية نسبيا خلف الوضع الصحي، اذ ان البلاد تتجه اليوم للسيناريو اللبناني وهو اعلان الافلاس وما يتبع ذلك من تداعيات مالية واقتصادية واجتماعية، ستجعل الغضب ينتقل الى مربع اخر وهو الانفجار.
اي ان البلاد وبشكل مباشر وصريح لم يبق امامها الا خياران، اما معالجة الازمة السياسية بشكل شجاع يتجاوز فيه الفاعلون السياسيون ذواتهم ونرجسياتهم ويستوعبون ان الرهان بات يتجاوز مكاسبهم السياسية او ان نتجه الى الانفجار الذي لن يكون بامكان اي كان ان يتوقع كيف ومتى سيكون والاهم كيف سينتهي في ظل شحن وتاجيج للشارع بخطاب الكراهية والعنف.
الحل الاسلم للجميع هو ان يكون الحل سياسيا، اي ان يتخلى المتناحرون وهم بالاساس رئيس الجمهورية وحركة النهضة عن تصوراتهما الحالية للخروج من الازمة وان ينخرطا كما بقية الفاعلين التقليدين والجدد في الساحة التونسية في مسار سينتهى بصياغة حل سياسي جذري وشامل.
لكن هذا يواجه عقبات عدة من بينها ان الرئيس سيتمسك اكثر بشروطه لفرض التسوية السياسية خاصة بعد الانجازات التي حققها ومنها نجاح مساعيه لجلب التلاقيح وما حققته ادارة الصحية العسكرية من تقدم في حملة التلقيح الميداني، اي انه يعتبر انه في موضع افضل بكثير من خصومه. فهو يمتلك حق الفيتو/ النقض وله مكاسب سياسية على الارض. فيما الخصوم وهنا بالأساس حركة النهضة، تعتبر نفسها في موقع جيد يسمح لها بالمناورة فلا حل يمكن ان يقع تنزيله دون انخراط منها، وهو ما يجعلها ترغب في ان تدفع بالأمور الى تسوية تشمل حكومة سياسية تعمل على ان يكون حلفيها قلب تونس وائتلاف الكرامة جزءا منها.
اي اننا امام نفس التعنت والحسابات السياسية التي ادت بنا الى الازمة الراهنة اذ يحافظ كلاهما على قراءته للمشهد التونسي على انه لازال يوفر هوامش للحركة والمناورة وان قواعده وأنصاره سيكونون في الموعد للانتصار له اذا تطلب الامر ذلك. وان الصراع بينهما يجب ان يصل الى نهايته ويحسم. وغاب عنهما ان الارض متحركة وان التوازنات الراهنة لا تسمح لأي منهما بانتزاع انتصاره السياسي.
الحل الوحيد اليوم لتجنب انفجار اجتماعي لم يعد حوارا للتوافق على تقاسم السلطة بل بات حوارا وطنيا للانقاذ، يشمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ينتهى بانطلاق مسار التغيير الفعلي وتحسين حياة التونسيين ومعاشهم ويقطع مع انحرافات السنوات العشرة.
المخرج المتبقي اليوم خيار شجاع تتخذه كل الاطراف دون شروط وخطوط حمراء، حوار يضع خارطة طريق للبلاد لتغادر ازمتها الصحية والمالية والاجتماعية ويعالج مكامن القصور في نظامها السياسي والانتخابي. اي اما ان نتعلم قواعد العيش المشترك او ان نذهب الى انفجار هو بمثابة مغامرة غير معلومة.
نصف سنة من الأزمة بين قرطاج وبادرو : لا خيار ثالث إما الحل الشجاع أو الانفجار
- بقلم حسان العيادي
- 10:45 15/07/2021
- 1098 عدد المشاهدات
يقف الفاعلون في المشهد السياسي التونسي على رمال متحركة. وهم يدركون ذلك ولكنهم لا يدركون ان الارض تتحرك