هذا ما بات عليه المشهد السياسي التونسي وخاصة ابرز فاعلين فيه، رئيس الجمهورية وحركة النهضة اللذين يقدمان خطابا سياسيا مخاتلا يبحث عن ترسيخ صورة المنقذ.
يريد الساسة في تونس ايا كان موقعهم ان يفرضوا خطابهم على انه «الحقيقة» وان اي استقراء لفعلهم السياسي عداوة وخصومة لهم، وليس عملية تفكيك لسلوك سياسي او محاولة فهم النوايا التي تحركهم. وهم يريدون ان تكون الصورة كما يرغبون في رسمها عبر خطاب دعائي موجه.
هذا ما يحدث اليوم في تونس التي تعاني من ازمة صحية قاتلة. فاعلون سياسيون ينشغلون بمناورات سياسية ، وهما بالأساس رئيس الجمهورية وحركة النهضة. ثنائي يتحرك اليوم بوتيرة متصاعدة لفرض مشهد سياسي جديد قائم على سرديتهما الاحادية الباحثة عن اقرار واقع سياسي مختلف.
وهنا يلتقى الخصمان، النهضة والرئيس في هذا المسعى. فالحركة ومنذ ان اطلقت مبادرتها لتكوين حكومة سياسية قوية مع بداية السنة السياسية القادمة. انطلقت في تقديم خطاب سياسي قائم على ثوابت يعينها. اولها ان الحركة لم تفشل ولا تتحمل مسؤولية الفشل. وثانيها ان الفشل إذا وجد مسؤولية الجميع. والثالثة ان المعارضة عليها ان تكف عن التعطيل والرابع ان النهضة تقدم المصلحة الوطنية على المهلة الحزبية والخامس انها ترغب في انقاذ التونسيين اليوم.
خطاب عناصره موحدة يلتزم بها كل قادة الحركة ويكررونها. مع عدم إغفال ان الفشل في تجنب الكارثة الصحية مسؤولية وزير الصحة فقط لا الحكومة برمتها، فالحكومة معطلة لم يسمح لها بالعمل، سواء من قبل الرئيس او من قبل المعارضة في البرلمان.
سردية تلتزم بها الحركة وتعمل على ترسيخها كحقيقة في اذهان التونسيين، لتهيئ بها المناخات لإعادة التموقع في المشهد القادم، خاصة وأنها تخشى من تداعيات التكلفة الانسانية التي تكبدتها تونس جراء فشل الحكومة في احتواء انتشار عدوي الكوفيد-19 او في توفير الرعاية الصحية واللقاح.
خشية من ان تدفع النهضة ثمن خطإ الحكومة وذلك ما يحركها لإعادة خلط المشهد. الذي انطلقت فيه منذ الاسبوع الفارط وخاصة في نهايته حينما التقى الثلاثي راشد الغنوشي عن النهضة ونبيل القروي عن قلب تونس وهشام المشيشي رئيس الحكومة والذي تطالبه النهضة الان بتفعيل صندوق الكرامة لصرف تعويضات ضحايا الاستبداد قبل حلول تاريخ 25 من جويلة الجاري.
لقاء تكتم الجميع على مضمونه ولكن قادة النهضة لمحوا في تصريحاتهم الى انه تطرق الى مبادرتهم السياسية القائمة على تشكيل حكومة سياسية. وهنا لم يغفل قادة الحركة عن انتقاد خصومهم خاصة في الكتلة الديمقراطية التي يعتبرونها تقوم بتعميق الازمة برفض الانضمام للمبادرة. مبادرة تقدمها الحركة على انها محاولة لإنقاذ ارواح التونسيين وان من يرفضها يرفض انقاذ البلاد والعباد.
الدفع بالأزمة الى اقصاها بمناورة سياسية ترغب في فرض عناصر جديدة في التفاوض للخروج من ازمة سياسية تقترب من ان تغلق شهرها السادس، هو ما تقوم به الحركة التي باتت تتهيأ لتوافق مع رئاسة الجمهورية تريده ان يضمن تواجد لحليفيها الرئيسيين قلب تونس وائتلاف الكرامة. فاما هذا وإلا فان الحركة ستمضى في طريقها الى نهايته. اي انها ستدفع بالأزمة الى اقصاها على ان تعمم المسؤوليات فيها على الجميع.
مشهد تأزم كثيرا وتفاقمت ازمته بتحركات رئاسة الجمهورية الأخيرة التي باتت تخدم فكرة وحيدة وهي «الرئيس المنقذ» سواء في التحركات الدبلوماسية لحشد الدعم و اللقاح والمساعدات الطبية او في تكليف ادارة الصحة العسكرية بالإشراف على ملف التلقيح والتسويق لذلك بشكل كثيف.
فالرئاسة وهي تقحم المؤسسة العسكرية في ادارة الازمة الصحية تحرص دائما على ذكر ان الرئيس هو القائد الاعلى للقوات المسلحة وأنها تتحرك بأوامر منه، وهذا الخطاب السياسي الباحث عن تسويق صورة القائد المنقذ يصبح مثيرا للمخاوف إذا وقع الربط بينه وبين خطابات الرئيس السابقة. خطابات وتحركات تعمل على جعل الصراع السياسي يتجه الى منطقة خطيرة، بالدفع بالأمور الى افق مسدود لا مخرج منه الا بالقوة، والقوة هنا تتخذ اشكالا عدة.اذ يتضح من تحرك الفاعلين الرئسيين في الازمة السياسية التي القت بثقلها على البلاد وجرفتها الى المحارق اننا في خضم تحركات وخطواة يراد لها ان تعيد تشكيل المشهد وفرض توازنات جديدة فيه قبل الحسم، وهنا يصبح التصعيد منذرا بازمة لاحقة قد تجر البلاد الى الهاوية التي لا تفصلنا عنها إلا صنتميترات.