يؤكد توجهات الرأي العام السابقة مع بعض التعديل .تقول المعطيات الأساسية لهذه الدراسة التي أنجزت من 29 جوان إلى 3 جويلية الجاري والتي ضمّت عينة ضخمة (1882 شخصا) أن الفارق بصدد التعمق لفائدة الدستوري الحرّ في التشريعية وأن هنالك تراجعا طفيفا لقيس سعيد في الرئاسية ويبقى مع ذلك متقدما بوضوح على كل ملاحقيه .
مازالت غالبية لتونسيين (%61.1) لا تدلي بنوايا تصويتها في التشريعية ،ونحن هنا لا نبتعد كثيرا عن الوضعية الفعلية لانتخابات 2019 بما يفيد ويؤكد على تراجع إيمان التونسيين بأهمية البرلمان وأن العرض السياسي الإجمالي،رغم تعدديته الحقيقية الواسعة،لا يجلب شرائح هامة من الناخبات والناخبين .
• ثواب ومتغيرات:
-بعد 21 شهرا من الانتخابات التشريعية نرى نوعا من الاستقرار في اتجاهات الرأي منذ ما يزيد عن السنة : استقطاب ثنائي حاد بين الدستوري الحرّ وحركة النهضة لفائدة الحزب الأول الذي يتجاوز إجمالا ثلث نوايا التصويت المصرح بها (بين %35 و%40) بينما تستقر الحركة الإسلامية دون خمس نوايا التصويت (ما بين %17 و%19).
- المعطى الثاني الثابت إلى حدّ الآن هو بقاء «قلب تونس» في المرتبة الثالثة،وهو الذي كان صاحب المرتبة الثانية في انتخابات أكتوبر 2019،واستقراره في حدود %10 ( بين %8 و%12) وهو ولئن ابتعد بصفة كبيرة على المنافسة الجدية مع قطبي الصراع السياسي إلا أنه يظل متقدما بوضوح على بقية الأحزاب .
-تتنافس ثلاثة أحزاب على المرتبة الرابعة وهي التيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة وحركة الشعب وتتراوح نتائجها إجمالا بين %3 و%6.
- لم يبرز إلى حدّ الآن عرض سياسي بديل ذي جاذبية خاصة عندما نعلم أن الأجوبة تلقائية ولا تطرح أية قائمة على العيّنة ولهذا نرى ظهور مقترحات كحزب الصافي سعيد أو حزب قيس سعيد، ولكن هذه «الأحزاب « الموجودة في الأذهان لا في الأعيان» أي الموجودة كفكرة لم تستطع،إلى حدّ الآن،منافسة الأحزاب الموجودة بالفعل حتى المتوسطة منها كوزن انتخابي .
• الدستوري الحرّ يعمّق الفارق:
الجديد في نوايا التصويت لهذا الشهر هو ربح الدستوري الحرّ لحوالي ثلاث نقاط (من %36 في 21 ماي 2021 إلى %38.6 في 3 جويلية 2021 ) بينما بقيت حركة النهضة في نفس المكان (من %18.6 إلى %18.7) .
قلب تونس ،صاحب المرتبة الثالثة،تقدم بنقطة ونصف (من %10.1 إلى %11.5) والتيار الديمقراطي بحوالي النقطتين (من %3.9 إلى %5.7) ويبدو أن ذلك كان على حساب حركة الشعب التي خسرت أكثر من نقطتين (من %5.8 إلى %3.4) أما ائتلاف الكرامة فقد ربح نقطة واحدة(من %4.2 إلى %5.3) .
لو حوّلنا هذه النسب إلى أصوات لوجدنا أن الدستوري الحرّ يتجاوز مليون صوت (1056790) أما حركة النهضة فهي دوما في حدود نتائج 2019 إذ تحقق هذه المرة 511761 صوتا ويكون لقلب تونس أكثر من ثلاثمائة ألف صوت بقليل ويكون التيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة في حدود مائة وخمسين ألف صوت.
لسنا ندري ،إلى حدّ الآن، ماهو أسقف الأقصى للدستوري الحرّ وإلى أي مدى يمكنه أن يتقدم في المستقبل ولكن الواضح أن هذا الحزب الذي ورث القاعدة السوسيولوجية لنداء تونس في 2014 لا يعرف نقاط ضعف فادحة – ربّما - باستثناء ولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) والتي تبقى إلى حدّ الآن نهضوية الهوى،أما جندريا واجتماعيا وجيليا ومعرفيا فيتقدم الدستوري الحرّ بكل وضوح على غريمه حزب النهضة ولا يجد بعض المنافسة إلا في فئة الشباب ولدى الأميين كذلك .
• الرئاسية: قيس سعيد في الطليعة رغم تراجعه بأربع نقاط
كالعادة يعتبر انخراط التونسيين في الرئاسية أقوى وأوضح وهو أرفع بعشرين نقطة مقارنة بالتشريعية إذ لا يعبّر هنا عن نوايا تصويتهم سوى %41 فقط مقابل %61 في التشريعية .
من 21 ماي 2021 إلى 3 جويلية 2021 يتراجع قيس سعيد بأربع نقاط (من %43.3 إلى %39.2) ولكنه يبقى بعيدا عن ملاحقته المباشرة عبير موسي التي تحصلت على %15.2 من نوايا التصويت مقابل %14.5 في الشهر الفارط.
نبيل القروي صاحب المرتبة الثالثة يربح نقطتين ونصف ويقترب كثيرا من عبير موسي (%13.6) في حين يتراجع الصافي سعيد بحوالي النقطتين (من %10.8 إلى %9.1).
منصف المرزوقي يخسر المرتبة الخامسة لفائدة عبد اللطيف المكي الذي يربح حوالي النقطتين (من %1.5 إلى %3.3) ويسجل من جديد حضوره في خماسي الصدارة مستفيدا من الارتفاع الهام لمنسوب الثقة فيه (انظر المؤطر) والمتعلق أساسا بدوره في الحدّ من الموجة الأولى للجائحة عندما كان وزيرا للصحة في حكومة الفخفاخ .
الأساسي في هذه الدفعة من نوايا التصويت في التشريعية أن قيس سعيد لم يعد متأكدا بالمرّة من الفوز منذ الدور الأول وأن صاحبة المرتبة الثانية عبير موسي زعيمة الدستوري الحرّ لم تحدث فارقا كافيا لتامين مرورها إلى الدور الثاني،وأن رهانها الأساسي اليوم يكمن في إقناع جزء من القاعدة الانتخابية لحزبها (حوالي الثلث) أنها ليست فقط قادرة على هزم الإسلام السياسي في التشريعية ولكنها قادرة كذلك على قيادة البلاد وذلك حتى تتمكن من تحويل شبه كلي لزخم التشريعية إلى الرئاسية ثم يبقى بعد ذلك إقناع من لا يصوت لها في التشريعية أو الدور الأول للرئاسية بأنها تمثل الحلّ الأمثل لازمات البلاد المتفاقمة .
أما بالنسبة لقيس سعيد وهو الآن قد قضى ثلث عهدته الحالية فعليه أن يقنع المواطنات والمواطنين بأنه قد أنجز أشياء ملموسة للبلاد .. إن خطاب المعارض الشرس للمنظومة قد يطمئن قاعدته الانتخابية الصلبة ولكنه قد لا يكون كافيا لتجديد العهدة .
ولكن الفترة مازالت طويلة وستحصل ضرورة تغيّرات عديدة إما لتأكيد بعض هذه التوازنات الحالية أو لقلبها رأسا على عقب .
الاختلافات بين منسوب الثقة ونوايا التصويت
نشرنا يوم الأحد 4 جويلية الباروميتر السياسي (سيغما – المغرب) لشهر جوان الحالي والذي يتضمن بصفة تقليدية مؤشر الثقة أو انعدامها .
في الشخصيات السياسية المعروفة وقد اعتقد بعض قرائنا أن الأمر يتعلق بنوايا التصويت في الرئاسية واستغربوا كيف يحصل عبد اللطيف المكي على %40 ويتجاوز بسبع نقاط كاملة قيس سعيد .
نقول مرّة أخرى أن هنالك فرقا كبيرا بين الثقة في الشخصيات السياسية وبين نوايا التصويت في الرئاسية ..
أنتم تذكرون دون شك أن النائبة سامية عبو قد تصدرت لفترة طويلة مؤشر الثقة الكبيرة ولكن ذلك لم يتحول البتة إلى نوايا تصويت مرتفعة في الرئاسية .
نحن في الحقيقة أمام سؤالين مختلفين للغاية : هل تثق في هذه الشخصية ؟ وهل تصوت لهذه الشخصية ؟ فالسؤال الأول يتضمن تقييم أداء شخص ما والثقة فيه وفي ما يمكن أن يقدمه للبلاد ولكن في السؤال الثاني ينبغي للمستجوب أن يختار – ولو بصفة عفوية – بين جملة من المترشحين المفترضين وتصبح الثقة هنا عنصرا من عناصر الاختيار تضاف إليها الكفاءة والقدرة على الاضطلاع بالمهمة الرئاسية كذلك القرب الفكري والسياسي ولذلك عادة ما نجد اختلافات جذرية في تونس وفي العالم بين الثقة في الشخصيات العامة وبين نوايا التصويت لها .
الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 1882 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2.2
• تاريخ الدراسة: من 29 جوان 2021 إلى 3 جويلة 2021